سؤالي حول من يقعون في الذنوب وهم ملتزمون جيدًا.
فصديقاتي على علم وملتزمات بالدين لكن يتخذن أصدقاءً من الذكور (بوي
فريند) يدردشون معهم عبر الإنترنت وأحيانا يتقابلون معهم. ولا يقعن معهم
في الزنا لكن يقعون في التقبيل والمعانقة ونحو هذا. ولا أعرف ماذا أقول
لهن لأنهن على علم بأن هذا خطأ وبعد أن يفعلن هذه الأفعال يندمن. فهل تقبل
العبادة من مثل هؤلاء؟ هل تقبل صلاتهن ويثابون عليها؟ تقول الواحدة منهن
أن عذرها العاطفة الجياشة التي تشعر بها تجاه صديقها والذي تنوي الزواج
منه قريبًا.
رجاء النصح
الحمد لله :
فأولى الناس بالتزام أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه من كان قد من الله عز وجل
عليه بالهداية ومعرفة الدين وسلك طريق الالتزام فكيف يرضى مثل هؤلاء الصديقات
اللاتي وصفتهن بالالتزام بأن يتبعن خطوات الشيطان واستدراجه بارتكاب ما حرم الله
تعالى، أليس الأحرى بهن أن يشكرن نعمة الله عليهن بالهداية إلى الإسلام والالتزام
به فيكن خير مثال لغيرهن صلاحاً واستقامة.
وأما قضية أن صديقاتك هؤلاء يعلمن أنهن يقعن في الحرام ؛ فليس لها قيمة هنا ؛ فمن
قال إن مجرد المعرفة هي التي تمنع صاحبها عن الوقوع في المعصية ؛ أما كان إبليس
يعلم أن ما أمره به ربه هو الحق ؟ أما كان اليهود يعلمون أن النبي هو الحق ؟ وغيرهم
وغيرهم كثير . قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ
قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا
وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
الروم/9
.
وقال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً
وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)
(النمل:14)
.
لكن القضية أن الذي يعلم ، ويعظ الناس ويتكلم ، مسؤوليته أشد ، ومخالفته للعلم الذي
عند أقبح وأشنع .
قال الله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
البقرة/44.
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ
* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)
الصف/ 2-3
.
فالواجب عليك أيتها الأخت الكريمة أن تذكري صديقاتك بالواجب عليهن ، كما قال الله
تعالى : ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)
الأعلى/9-10
، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ
الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
الأعراف/201
.
فذكريهن أيتها الأخت الكريمة بقبح ذلك من كل مسلم ومسلمة ، فكيف إذا كانت المسلمة
ممن يظهرن الالتزام بدين الله تعالى ، ويقدمن للناس القدوة والمثل ، ويدعون الناس
إليه ؟
وفي صحيح البخاري (3267) ومسلم (2989) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال
: سمعت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يُجَاءُ
بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ
فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ
النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ
تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ) .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مثل العالم الذي يعلم الناس
الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه )
رواه الخطيب في اقتضاء العلم (49) وغيره ، وصححه
الألباني في صحيح الجامع برقم (5831)
.
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله :
رأيت الذنوبَ تميت القلوب ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياةُ القلوبِ ... وخير لنفسك عصيانُها
وهل أفسد الدينَ إلا الملو ... كُ وأحبارُ سوء ورهبانُها
وباعوا النفوسَ ولم يربحوا ... ولم يغل في البيع أثمانها
فقد رتع القوم في جيفة ... يَبين لذي اللب خسرانها
وأما الاعتذار بالعاطفة الجياشة نحو الصديق ، فهذا هو عين الهوى الذي يهوي بصاحبه ،
والعياذ بالله ؛ قال الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ
عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ) الجاثـية/23.
قال قتادة رحمه الله : " لا يهوي
شيئا إلا ركبه ؛ لا يخاف الله " . تفسير
الطبري (22/76) .
وقد وصف الله تعالى المحصنات من المؤمنات بأنهن بعيدات عن اتخاذ الأخدان ؛ فقال
تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )
النساء/الآية25
؛ فالمسافحات هن الزواني ، اللاتي يأتين الفاحشة ، وأما التي تتخذ خِدنا : فهي التي
تصادق الرجال ، وتتخذ منهم أخلاء ، كما قال ابن عباس وغيره من السلف .
[ انظر : تفسير ابن كثير 2/261]
وبنفس الصفة ، وصف الله تعالى أهل العفة ، وطالبي الحلال الطيب من الرجال ؛ قال
تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
المائدة/5 .
قال ابن كثير رحمه الله : " فكما شرط الإحصان في النساء -وهي العفة-عن الزنا كذلك
شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا؛ ولهذا قال: { غَيْرَ
مُسَافِحِينَ } وهم: الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية، ولا يردون أنفسهم عمن
جاءهم، { وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن "
انتهى
.
تفسير ابن كثير (3/43)
.
ولمعرفة خطورة هذا النوع من العلاقات المحرمة ، وموقف الشرع منه ، يمكن مراجعة
إجابات الأسئلة (
59907)
، (
47405) ، (
36618)
، وإجابات أخرى عديدة في قسم الأخلاق .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب