مريم الشربيني ***
نقاط : 5772
| موضوع: قصة قصيرة...من مجلة المؤمنات الجمعة يونيو 12, 2009 6:28 am | |
| الدار - اركض .. اركض يا حازم ... اركض.صرخت بآخر عزمها في طفلها الذي انفلت من بين يدي الجندي في مرواغة ليطلق لساقيه الدقيقتين العنان .. فإذا بالجندي يرفع فوهة بندقيته ليصوبها نحو الصبي .. صرخت الأم في هلع :- ولدي ؟؟!وانقضت علي ذراع الجندي تقضمها في استماتة .. فرفعها الجندي بمؤخرة البندقية في عنف وقسوة ليشج جبهتها ... فسقطت علي الأرض في ألم وقد دارت الدنيا حولها من هول اللطمة .. استدار الجندي مجددا يبحث عن الصبي .. لكنه كان قد اختفي بالفعل .*نهضت في إعياء تحاول مسح خيوط المنسابة علي وجهها , هتفت في غضب :- ماذا تريدون ؟! .. ماذا تريدون ؟! .. مات الزوج .. واعتقلتم الشبان .. لم يبقي لي سوي هذا الصغير .. وتلك الدار ..بترت جملتها بغتة حينما سمعت صوت المحركات التي أخذت في الإقتراب ترج الأرض من تحتها وتطوي الطريق طيا .. وأدركت مطلبهم هذه المرة .. تراجعت في ثبات وإصرار نحو باب الدار .. وقفت تسد الباب بجسدها الهزيل .. صرخت : - لا .. لن تسلبوا الدار .. لا .. لن تدخلوها .. أين أذهب أنا والصغير ؟! ..تبدد صوتها وسط ضجة الجرافات التي راحت تحدث صريرا مخيفا وهي تقترب بلا رادع أو راد .. أخذت تدور بعينيها الزائغتين بحثا عن ( حازم ) .. كانت تود لو ضمته في هذه اللحظة إلي صدرها لتحتمي به .. وتحميه .. لكنها لم تجده .. ولم تجد مخلوقا يقف معها ضد هذا السرب المقتحم من الجرافات والجنود المسلحين .. لم تجد غير صبرها وثباتها .. فاستجمعت فتات شجاعتها .واستحضرت معية الله وتمتمت بالدعاء الذي راح يتردد صداه في أعماقها .. يارب .. يارب ..تعلق بصرها بالجرافات التي تقترب في إصرار .. اذدادت التصاقا وتشبثا بالباب وهي تصرخ ولا تسمع لصراخها صدي .. حتي هي نفسها ما عادت تسمع صوتها .. ما عادت تسمع إلا صوت الصرير المخيف .. توقفت الجرافات علي بعد أمتار قليلة من الدار .. رمقها قائد الجرافة بحقد بغيض .. وشماتة .. ثم جذب الذراع إلي الخلف لترفع ذراع الجرافة في حسم كي تهوي بقوة علي جدار الدار ..صرخت مجددا واندفعت نحو الجنود في ثورة وغضب .. دفعوها جانبا .. سقطت علي الأرض .. ركلوها بالأقدام .. سبوها بأقبح ألفاظ السباب .. بصقوا في وجهها .. انكفأت علي وجهها الذي اختلطت به العبرات بالدماء مع الثري .. شعرت كأنها تهوي في بئر سحيق .. تنتظر أن يرتطم جسدها بالقاع الذي لا يأتي أبدا .. شعرت بالأرض تهتز مجددا من تحتها .. مالت بوجهها نحو الدار .. لم تدر , أهو خداع البصر الذي هيأ لها تلك الخيوط المتصدعة التي بدأت تشق طريقها في الجدار ؟! .. أم أنه خيط الدم الذي سال علي عينيها ؟! .. حاولت النهوض .. لم تستطع .. سقطت مرة أخري .. زحفت نحو الدار , ما عادت تميز أي شئ .. كل شئ يهتز حولها .. الأصوات مختلطة والرؤية مشوهة .. حاولت أن ترفع بصرها إلي السماء .. فوجئت بحذاء الجندي يغوص في وجهها .. تهاوت رأسها من جديد .. نبشوا أصابعهم في شعرها المرسل في فوضي .. جذبوا جسدها .. جروه مخلفين أثرا من دماء .. ألقوه داخل الدار .. وتابعت الجرافات عملها .. وتصدع الجدار .. وهوي السقف .. وانهدمت الدار .. | |
|