السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اما بعد فلا ادري لماذا تم هجر هذا المنتدي الفاضل ولا يتم طرح موضوعات من قبل الاخوة الاعضاء
وذلك مما يؤسفني
وكان من قبل يعج بكثير من الموضوعات الشيقه المفيده
واليكم موضوع نقلته لكم حول تخصيص يوم مولد النبي بعباده زائده واليكم الموضوع وارجو منكم المشاركه
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي النبي المصطفي
اما بعد
إن تخصيص يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة زائدة، لا سيّما الصيام، أمر مشروع، دلّ عليه حديث أبي قتادة حينما سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ، قَال:َ« ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ » أَوْ « أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ »، رواه مسلم، وغيره.
فذكر أن علّة الصيام هي كون النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه، وبعث فيه، فجعل مناط تخصيصه بعبادة زائدة، كونه يوم ميلاده، ويوم مبعثه. وبما أن الحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً، فلا شك أن تخصيص يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة زائدة، لا سيّما الصيام، أمرٌ أقلّ ما يقال فيه إنه مشروع، ثم نُسِبَ لهذا الداعية أنه لا يقر الموالد التي تعمل في بعض البلاد العربية، والاحتفالات التي تقام من أجل هذه المناسبة، كما لا يقرّ ما يجري فيها من منكرات..
فحُصِرَ الخطأ في هذا، مما يهيِّءُ القاريء أو المستمع لقبول رأيه، فليس هو من أهل البِدع الذين يقرّون الموالد، لكنه متوسّط القول، مستدلٌّ بالأدلة.
والجواب على هذه الشبهة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد،
فلا شك أن هذه الشبهة، قويّة أمام من لم يتسلح بسلاح العلم الشرعي، لا سيّما طرق الاستدلال، وطرائق الاستنباط، والتي تدرّس في أصول الفقه، ولهذا فإننا ننصح طلبة العلم دائماً، بالتعمُّق في دراسة أصول الفقه، الذي يورِّثُ الإنسان بتوفيق الله منهجاً معتدلاً في النظر والاستدلال.
أما من تضلّع من أصول الفقه، وفهم طرق الاستدلال، فإن هذه الشبهة ستتهاوى أمامه بمجرد النظر إليها، وهذا بيان ذلك:
أولاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صيام يوم الإثنين، ولم يُسأل عن صيام يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فالعلّة إذاً: تخصيص يوم الإثنين بالصيام، وليس تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بالصيام، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو المشرّع، لم يخصص يوم الثاني عشر بالصيام، بل خصص يوم الإثنين بالصيام، وفرق كبير بين السببّين، فالصواب أن العلّة هي كون يوم الإثنين يوم مولده، ويوم بعثه فيه، ويوم إنزال القرآن عليه.
ثانياً: فلو قال قائل: فأنتم تقرّون بأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى ميلاده، واعتبره مؤثراً في الحكم، حيث قال: « ذلك يوم ولدت فيه »، فنقول، نعم هذا صواب، لقد نظر إلى يوم ميلاده وجعله مؤثراً في الحكم، ولكن بقي النظر في يوم الميلاد ما هو، هل هو الإثنين، أم الثاني عشر من ربيع الأول؟. ولا شكّ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الميزة لكونه يوم الإثنين -لا لكونه الثاني عشر من ربيع الأول-، ولو نظر النبيّ صلى الله عليه وسلم للأخير، لخصّه عينَه بذلك الصيام، ولرأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى في كل سنة شهر ربيع الأول، بل يتحرى يوم الثاني عشر منه، بصرف النظر، هل كان يوم إثنين أو جمعة أو غيرها..
وهذا لم يرد، حسب ما قرأنا، في حديث صحيح، بل ولا وضعيف أيضاً.
ومما يؤكد هذا، أن العلماء أنفسهم، اختلفوا في تحديد يوم مولده صلى الله عليه وسلم، فقيل هو يوم الثاني، أو الثامن، أو العاشر، أو الثاني عشر، أو السابع عشر، إلى غير ذلك من الأقوال التي حكاها جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والقسطلاني في المواهب اللدنية.
وهذا الاختلاف الكبير في تاريخ المولد دليل قطعي على أن النبي وأصحابه لم يعيروا هذا اليوم أي اهتمام عندما تمر كل سنة، فضلاً عن أن يخصّها النبيّ صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بمزيد عباده.
ثالثاً: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما بيَّن سبب صيامه لذلك اليوم، جعل السبب أو العلة مركّبَة، فقال: « قَالَ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ » أَوْ« أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ » فذكر ثلاثة أسباب، أو بتعبير أصولي، ذكر علّة مركبةً من ثلاث أوصاف، ميلاده، ومبعثه، وإنزال القرآن، والصواب صحّة التعليل بالعلة المركبة، وأنها لا تؤثر إلا إذا اجتمعت الأوصاف المركّبة منها كلها، وعندئذ فلا تجتمع هذه الأوصاف لتكون علة الحكم إلا في يوم الإثنين، فلا تنطبق البتّة على يوم الثاني عشر من ربيع الأول. فإنزال القرآن حدث في ليلة القدر، من شهر رمضان المبارك، بالإجماع كما هو نص القرآن، فهي علّة قاصرة على هذا اليوم، فلا تتعدى إلى غيره.
رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صيامه، فأجاب، فالحكم إذًا الصيام، والعلّة هي اجتماع الأوصاف الثلاثة، فهل يقاس غير الصيام على الصيام، بمعنى هل يخص يوم الإثنين بعبادة غير الصيام؟ محل نظر، لكن هذا خارج موطن بحثنا، فالشبهة لا تتعلق بتخصيص يوم الإثنين، بل بتخصيص يوم الميلاد، أعني المناسبة السنوية، فلا ينسحب حكم هذا على هذا.
خامساً: وربما تستحق أن تكون أول مرتكزات هذا الجواب، إلا أننا أخّرنا البحث فيها لأنها طريقة معروفة في الجواب يعتمد عليها كثير ممن ينتسبون إلى السلف الصالح، ممن لا يقرّون الموالد أصلاً، فإذا قرأها من قامت في ذهنه تلك الشبهة أعرض عن هذا الجواب، لأنه صادر ممن لا يقرّون الاحتفالات اعتماداً على جواب معروف، وهو أن السلف لم يفعلوها، فإذا أعرض عن القراءة، قوِيَت الشبهة عنده، وانصرف عن سماع ما يدفعها حتى لو كان بطريق آخر.
وهذا المرتكز يعتمد على أصل أصيل في فهم هذا الدين، ألا وهو وجوب اتباع فهم السلف الصالح لدين الإسلام، وأدلة وجوب اتباع فهم السلف الصالح كثيرة جداً، أهمّها أن فهم السلف الصالح نفسه إجماع منهم على أن الدين يفهم بهذه الطريقة، فمن فهم الدين بغير هذه الطريقة فقد خالف الإجماع، ومنها أن الأخذ بغير فهمهم، مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » متفق عليه.
فجعل خير القرون صحابته، فخيريتهم تتضمن خيرية فهمهم، فلا يجوز العدول عن خير فهم للدين إلى غيره.
وعليه، فيجب علينا عند النظر والاستدلال -لا سيّما عند طروء شبهة-، أن لا نغفل فهم السلف الصالح للأدلة، وكيف عملوا بها، وما أجمل العبارة التي تقول "لو كان خيرًا لسبقونا إليه"، وقد روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قوله (من كان مستنّاً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلّفاً، قوم اختارهم الله لصحبة صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم)
فلو كان القول بتخصيص يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم -أعني ميلاده السنوي في شهر ربيع الأول-، بعبادة زائدة لسبقنا إليه السلف الصالح، الصحابة والتابعون، وأتباعهم، لكن لما لم يفعلوا ذلك، عُلِمَ أنه لا خير فيه، وهذا لا يحتاج إلى مزيد استدلال.