السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة حقيقية
أكتب لكم هذه القصة – بتصرف -و التي يجب أن نضعها أمام ناظرينا، وننقلها لتكون أمام أنظار الزوجات، والبنات، والأخوات؛ بل والأمهات ليكون في ذلك نشر للخير والفضيلة, ولتعرف الفتيات أن الجمال والسعادة ليست والله بالنقوش والزينة، ولا بحسن الملبس والمظهر، أو بكثرة المال والبنيان، أو بآخر موضة من الأزياء، أو بمتابعة آخر صرخة في عالم العطور وآخر قصة في عالم الشعر..
كما أن القصة تؤكد ذلك المعنى العظيم للرجال الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "الدنيا متاع وخيرها المرأة الصالحة" [رواه الإمام مسلم]
أترككم الآن مع القصة مستعينة بالله تعالى:
إنها امرأة صالحة تقية نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحدًا. حبيبها الليل.. قلبها تعلق بمنازل الآخرة.. تقوم إذا جنّ الظلام.. لا تدع ذلك لا شتاء ولا صيفا.. طال الليل أم قصر.. لطالما سُمع خرير الماء في هدأة السحر على أثر وضوءها.. لم تفقد ذلك ليلة واحدة.... أنسها.. سعادتها.. في قيام الليل وقراءة كتاب الله.. في مناجاتها لربها.. تهجدها.. دعائها.. لم تدع صيام التطوع سواء كان حضرًا أم سفرًا.. أشرق وجهها بنور الطاعة.. ولذة الهداية..
(.... تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ...) [الفتح: 29]
جاء ذلك اليوم.. الذي وقع فيه قضاء الله تعالى من فوق سبع سماوات.. تقدم إليها من يطلب يدها.. قالوا محافظ.. مصلٍ.. وافقت على ذلك بعد الاستخارة والالتجاء إلى ربها.. وكان مما اعتاد عليه أهل مدينتها أن ليلة الفرح تبدأ في الساعة الثانية عشر ليلا وتنتهي مع أذان الفجر! لكن تلك الفتاة اشترطت في إقامة حفل زواجها: "بأن لا تدق الساعة الثانية عشر إلا وهي في منزل زوجها". ولا يعرف سر ذلك إلا والدتها.. الكل يتساءل.. تدور حولهم علامات الاستفهام والتعجب من تلك الفتاة!! حاول أهلها تغيير رأيها فهذه ليلة فرحها التي لا تتكرر وقبل هذا يجب مجاراة عادات وتقاليد أهل بلدتها.. لكنها أصرت على ذلك كثيرا هاتفة: إذا لم تلبوا الطلب، فلن أقيم حفل زفاف! فوافق الأهل على مضض..
(... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..) [البقرة:216]
مرت الشهور والأيام.. تم تحديد موعد الزواج.. وتلك الفتاة ما زادت إلا إيمانا وتقوى، تناجي ربها في ظلمات الليل البهيم.. أنسها وسعادتها كله في الوقوف بين يدي الله.. لذة الأوقات وبهجتها في ذلك الوقت، الذي تهبّ فيه نسمات الثلث الأخير، لتصافح كفيها المخضبتين بالدموع.. لتنطلق دعوات صادقة بالغة عنان السماء.. طالبة التوفيق من الله تعالى..
توالت الأيام.. وذات مساء جميل.. كان القمر بدرًا.. دقت ساعة المنبه معلنة عن تمام الساعة التاسعة مساء.. انتشر العبير ليعطّر الأجواء.. بدأت أصوات الزغاريد وضاربات الدفوف ترتفع.. زفت العروس إلى عريسها مع أهازيج الأنس وزغاريد الفرح.. الكل يردد:
بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير.. فنِعم العروس ونعم ذلك الوجه المشرق الذي يفيض بنور الطاعة وحلاوة المحبة.. دخل الزوج.. فإذا به يُبهر.. نور يشع.. وضوء يتلألأ.. فتاة أجمل من القمر كساها الله جمال الطاعة ونضارة المحبة وبهاء الصدق والإخلاص..
هنيئاً لك أيها الزوج امرأة عفيفة مؤمنة صالحة.. هنيئًا لكِ أيتها الزوجة ذلك القلب الذي أسلم لله عز وجل وتعبد له طاعة وقربة..
قاربت الساعة من الثانية عشر.. مسك الزوج بيد زوجه.. ركبا جميعًا في السيارة.. وتقوده كل المشاعر والأحاسيس المختلطة.. إحساس بالبهجة والفرح، مع ما تغمره من موجة قوية تنقض على أسوار قلبه بشدة.. يشعر بإحساس قوي يخبره بأن هناك أمرًا عظيمًا سيقع!
كأن نورًا شاركهم في الركوب.. فلم يرَ بهاء ولا نضارة كمثل هذه الزوجة.. هناك شي ما أسر قلبه وحبه.. يُشعره بأنه حاز الدنيا وما فيها..
اتجها العروسين إلى منزلهما.. أي منزل يضم قلباً كقلب تلك الفتاة! أي بيت يضم جسدًا كجسد تلك الفتاة؟! جسم يمشي على الأرض وروح تطوف حول العرش.. فهنيئا لذلك البيت.. وهنيئًا لذلك الزوج..
دخلا المنزل.. الخجل يلفّها والحياء يذيبها.. لم يطل الوقت.. دخلت غرفتها التي لطالما رسمت لها كل أحلامها.. كل سعادتها.. كل أمنياتها.. فمنها وبها ستكون الانطلاقة فهي مأوى لها ولحبيبها يصليان ويتهجدان معا.. هنا سيكون مصلاها.. مصحفها.. فكم ستبلل سجادتها ساكبة دموع الخشية والتقى.. كم ستهتز أرجاءها من دعواتها وقراءتها.. كم سيجملها عطر مسواكها الذي لا يفتر من ثغرها.. هكذا أمنيتها وأي أمنية كهذه!
التفتت.. انتقلت نظراتها السريعة بين أرجاء غرفتها.. رفعت بصرها.. فجأة شد انتباهها شي ما.. تسمّرت في مكانها.. كأن سهماً اخترق حناياها حين رأت ما في أحد زوايا غرفتها.. هل حقًا ما أرى.. ما هذا؟ أين أنا؟ كيف؟ لم؟ أين قولهم عنه؟ زاغت نظراتها.. تاهت أفكارها.. قلبت نظرتها المكذبة والمصدقة لما يحدث.. يا إلهي.. قدماها لم تعودا قادرتين على حملها.. أهو حقًا أم سرابًا! ها هو ( العود ) يتربّع في غرفتها.. يا إلهي.. إنه الغناء.. بل إنها آلة موسيقية.. قطع ذلك كل حبل أمنياتها التي رسمت لها في مخيلتها.. اغتمَّت لذلك غمًا.. لا.. أستغفر الله العظيم.. اختلست نظراتها إلى زوجها.. هيئته هي الإجابة الشافية! كان السكون مخيمًا على المكان.. يا إلهي لم أعد أحتمل.. أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها ثم هتفت بحسرة: الحمد لله على كل حال لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.. أحنت رأسها وقد اضطرم وجهها خجلا وحزنًا.. استدارت إلى زوجها متحاشية النظر إلى ذلك.. مشت بخطى قد أثقلتها المخاوف وكبّلتها الشك! فلازمت الصمت وكتمت غيظها.. كان الصبر حليفها.. والحكمة مسلكها.. وحسن التبعل منهجها..
(... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]
وبعيدًا عن العاطفة أخذ يحدثها عقلها قائلا: مهلاً.. ورويدكِ أيتها العروس.. عليك بالصبر والحكمة وحسن التبعل لهذا الزوج مهما فعل ومهما كان.. فما يدريكِ لعل هدايته تكون بين يديك!! إذا صبرتي وكنتِ له أحسن زوجة؟!
تبادلا أطراف الحديث وهي تبادله بنظرات كسيرة منخفضة.. بادية عليها علامات الارتباك بين قسمات وجهها ما بين خجلها وحيائها وهول صدمتها وتأثرها.. مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل على الانتهاء..
دقت ساعة الثلث الأخير من الليل، حن الحبيب لحبيبه، فأرسل الله نعاسًا على الزوج، لم يستطع أمامه المقاومة، فغط في سبات عميق... لزمت الهدوء.. سمعت أنفاسه تنتظم.. إنه دليل مؤكد على نومه.. انزوت الزوجة عنه جانبًا واشتد بها الشوق إلى حبيبها.. هرعت لمصلاها.. وكأن روحها ترفرف إلى السماء..