ملاحظة: رجائي من الجميع قراءة الموضوع كاملا..فحديثنا عن هذا العظيم أحمد بن حنبل يستحق منّا العمر كاملا لقراءة حياته وشخصيته وفكره والتعرف عليه ..لا دقائق من وقتنا قد نستثقلها!!..
من أنا حتى أكتب عن أحمد ..!!
روائع أحمد بن حنبل
د . إسلام المازنى
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد
و على آله و صحبه و سلم .
من أنت يا ابن حنبل ؟!
أرجل مثل بقية الرجال ؟!
أشيخ عاش ثم قضى نحبه ؟!
أحمد يا إخوان لم يكن هملا , بل كان عالما , كان بطلا ...كان آية .. كان فذا
المكارم فى الدنيا أشيد بها*** كانت كتاباً ، وكنا نحن عنواناً
إن الحياة نهار أو سحابته *** فعش نهارك من دنياك إنساناً
لم يكن قلبه يهوى قسمات أنثى يراها البداية و النهاية , و لم يكن صدره يتزلزل بنبْـض سوى الحق , كان عقلا مفكرا يدرك أين شاطئ النجاة , فصار شمعة لا مثيل لها فى روعة الضوء , و حلق كعُصْفُـور أخضر يجمع السنة من كل روض مزهر و يدون لمن يأتى بعده , لنا ....
ليترك أربعين ألف حديث شريف , كأنها الجَـنَّـات و النهر , فى موسوعة لمن طلب أطيب الخبر , بلا حقوق نشر و لا ربحية !
تحلى أحمد بطهر الوجدان و حب الخير , فلم يكْـرَه سوى الباطل و المبطلين , فكانت حياته قصة وعـبْـرة تروى كفاح إنسان حمل فى أعْمَاق صَدْره طهر حب ربه , نحسبه و الله حسيبه ..
لم يعرف الصمت , حين نادى الحق لبّى , فانطلقت المعانى كالدرر تنير الأرْضَ المستديرة كلها رغم المشقة ...
أحمد بن حنبل هو رجل المائة الثالثة ، شهد له الجميع بأنه عالم ثقة إمام ورع , أمة وحده , سيد فى الثبات و الصبر .
مولده و نسبه:
ولد الإمام أحمد عام 164 هجرية في بغداد التى ينتقم منها الحاقدون لأنها كانت منارة للسنة ..
فبعثروا كتبها و أحرقوا تراثها و مخطوطاتها , بعد أن اغتصبوا مالها و افترسوا أهلها ...
و توفي الإمام أحمد عام 241 هجرية ..
كان عمره عندما مات الشافعي - رحمهما الله – يقارب الأربعين ، كأن الله تعالى تركه للأمة من بعده بعد أن بلغ أشده و استوى !
حيث كان الشافعي يكبره بأربعة عشر عاما رحمهما الله
تعالى .
شيخنا أحمد عربي من شيبان ...
يلتقي نسبه مع الرسول عليه الصلاة و السلام , عند الجد نزار بن معد .
فهو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد ..إلى مازن بن ذهل بن شيبان .
تيتم صغيرا ليصير مثلا كبيرا !
و يمسى حجة على من يتذرع على من يتذرع باليتم و الضعف و الفقر , ليعيش الخور و الكسل و العجز ...
و تولت أمه الطيبة تربيته الفريدة المثال
فكانت نعم الأم , و نعم المربية و نعم السيدة الفاضلة ...
لم تنتظر من ينير لها الطريق , كان منيراً بيقينها و ذكائها ، لم تكن حالمة ترى الحياة شوقا لرجل يمتطي صهوة الخيال , بل كانت تسبح فى الغسق وتشعل الدجى ترانيما حسنة ، كان حب الله يحدوها و هى تهب ابنها الفتى اليتيم لله تعالى ..
و المدد لم يكن مالا و لا متاعا , بل كانا فقيرين , و لم يحدوها حلم ببذلة تحتويه و شهادة يوم يتخرج كما المثاليات فى زمن التلفاز
بل كان البيع لخير من ذلك ,
كانت تصنع منه آية !
يقف وسط الوحوش صامدا فى المحنة , لا تتبعثر نفسه بين الرغبات و الرهبات ..
فهى سيدة من زمن القمم , لم تلتزم نهجنا و ذات السلوك الرتيب , و لم تتعب نفسها فى حفظ أبجدية التساوى مع الرجل و التنافس مع الذكر كأنما خلقنا للتناطح كالكباش !
... و لا تسعى لخروجها مكشوفة ليقال حرة !
و لم تر تربية الأبناء ليست عملا ... فيقال لمن خرجت عاملة و لمن جلست أين عمل المرأة !
بل كانت تعمل ... و انظر إلى عملها و عملنا !
هى ربت أحمد !
و خرج ليسطع فى الدنيا حتى الليلة !
نحن عالة على كتبه ..
حفظ لنا السنة و الفقه
و تحمل ليصلنا الدين نقيا
تحمل الجوع و البرد والسوط و السيف !
كانت أمه معه يوما بيوم , تصنع الرجل القادم ... فجر النور , و لم تعش الجنون كطائشات القوم
تمنت أن ترتقى و ارتقت , و جدير بها أن تسعد لأنها رأت أحمد نورا للدنيا , يُحدّث عن النبى , فيصمت الخلق انبهارا من الحديث و المحدث و من المتحدث عنه !
حتى و هو صبى كان سلوكه يدل على نعمة الله بمثل تلك الأم المسلمة ..!
* قال أبو سراج بن خزيمة – وهو ممن كان مع أحمد بن حنبل في الكتّاب صغيرا -:
إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد وحسن طريقته, فقال لنا ذات يوم :
(أنا أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم ، انظر كيف يخرج ؟!)
و جعل يعجب .!!
* وكان الهيثم بن جميل بفراسته يقول عن أحمد :
(أحسب هذا الفتى – إن عاش - يكون حجة على أهل زمانه )
***
و يكبر الصبى النابه ...
ها هو أحمد فى المسجد , لا يتكلم بل يسكت !!,
فتعمر القلوب بالنظر لسمته , و ينساب الهدوء بين الحنايا مع دمعته الرقيقة الخاشعة ..
فكيف لو تكلم ..!!
أرأيتم الأم المربية حين تنتج جيلا مسلما ! رحمها الله رحمة واسعة و رضى عنها ...تحملت الفقر و ضحت بالشباب لتكون متفرغة لابنها النابغة , و لم تعش أرملة ميتة على أشلاء أمل قديم .
و كان أحمد وفيا لأمه , لدرجة أنه خشى أن تزعجها سيدة أخرى بأى منغصات, فلم يتزوج حتى توفيت , و هو فى الثلاثين من عمره .!
كانت البداية بزرع الورد الذى لا يذبل
بالكتاب المقدس المكرم المطهر ..
فأعانته أمه المثالية على تعلم القرآن المكرم , تلاوة و حفظا , حتى لبسا تاج البهاء ... و وعى ابنها الذكر فى صدره و ختم القرءان حفظا ..
فى الخامسة عشرة دخل حلقات العلماء ليشرب من نهر السنة العذب السلسبيل ..فجلس فى مجالس الحديث الشريف
حتى سمع ما ببغداد كله !
وقرر أن يجوب الدنيا , و يركب البحر و يشرب الصبر ليجمع كل كلمة قالها الحبيب صلى الله عليه سلم , و يحققها ( سندا و متنا ) , فيتأكد من صدق ناقليها عدلا , و يسمعها بنفسه منهم بلا واسطة , فيعلو به النقل و التوثيق العلمى التاريخى , فلا يكون بينه و بين النبى إلا أقل عدد ممكن , كى لا تشوب النقل شوائب !
لا يهم الجهد
لا يهم التعب
لا يهم البرد
لا يهم المطر
فى سبيل الله نحيا
مع الحب نحلق
نشرب العلم نديا
قشعريرة السعادة فيها الدفء المطلوب ...
يرحل الشاب المجتهد المناضل في سبيل السنة الشريفة , حتى يذهب إلى شتى أركان دولة الخلافة الكبرى ...
إلى الشامات والسواحل ..
ومكة والمدينة
و باقى الحجاز واليمن
لفارس و خراسان
صعد الجبال , و وصل الأطراف , ثم زار الثغور فى مرمى العدو ..
كى لا يترك إرثا طاهرا عبقا , و لا رجلا فاضلا معه خير دون أن يلقاه و يدون و ينقح ..
جولة حول العالم من أجل الحق , و الحق وحده يا أحمد ...
"للحق قمت , تعب اختيارى !!"
بقرار حر شجاع , ثم صمود لا يلين مع الريح ,
و لا تبدده الشهوات و التباريح , و لا يغرقه بحر الكسل الفسيح ...
شهد له الكل و كتب عنه الجميع ..
رحم الله إمامنا العظيم أحمـــــــد بن حنبــــــل ..وأدخلنا وإياه فسيح جناته...