يُحكى أن رجلاً كان يحاسب نفسه، فحسب يوماً سنين عمره، فوجدها ستين سنة. فحسب أيامها، فوجدها واحداً وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم.
فصرخ صرخة، و خرّ مغشياً عليه. فلما أفاق قال: يا ويلتاه، أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!
يقول هذا لو كان يقترف ذنباً واحداً في كل يوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تحصي؟
ثم قال: آه عليّ، عمرت دنياي، وخربت أخراي، وعصيت مولاي، ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب. وأنشد:
منازل دنياك شيّدتها *** وخرّبت دارك في الآخرة
فأصبحت تكرهها للخرا *** ب وترغب في دارك العامرة
وفي الحديث: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }.
واعلمى أختي الحبيبه أن لكى موضعين تندم عندهما حيث لا ينفع الندم:
الأول: عند الاحتضار؛ حيث تريد مهلة من الزمن لتصلح ما أفسدت، وتتدارك ما ضيعت، ولكن هيهات.
الثاني: عند الحساب؛ حيث تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي، و لم يزد فيه عملي ).
وقال سعيد بن جبير: ( إن كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة ).
أختي الحبيبه..
إن الليل و النهار رأس مال المؤمن؛ ربحها الجنة، وخسرانها النار. والسنة شجرة: الشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها. فمن كانت أنفاسه في طاعة؛ فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في في معصية؛ فثمرته حنظل والعياذ بالله.
قال الحسن: ( من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعينه؛ خذلاناً من الله عز وجل ).
و قال أبو حازم: ( إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق، فلا يُوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية ).
يا هذا..الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم. فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها، فافعل. فإن انقطاع السفر عن قريب ماهو، والأمر أعجل من ذلك. فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
قال الحسن رحمه الله: ( ما مرّ يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم، إني يوم جديد، و على عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدّم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبداُ إليك ).
تؤمل في الدنيا طويلاً و لاتدري *** إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر
وقال أبو نصر آبادي: ( مراعاة الأوقات من علامات التيقظ ).
وقال مورق العجلي: ( يا ابن آدم.. تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن وتطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك ).
وقال الحسن: ( لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال. هيهات، قد صبّحا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم. وأصبح الليل والنهار غَضّين جديدين لم يبلهما ما مرّا به، مستعدين لما بقي بمثل ما أصاب به من مضى ).
لقد كان السلف الصالح مشغولين دائماً بالآخرة، منتبهين لقيمة الوقت.
قال ابن مهدي: ( كنا مع سفيان الثوري جلوساً بمكة، فوثب و قال: النهار يعمل عمله ).
وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: ( إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ).