شدة عذاب أهل النار:
قال الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء ٱلأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ [آل عمران:91].
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قطّ؟ هل مرّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب))[1].
ب- تفاوت عذاب أهل النار:
قال الله تعالى: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ [النساء:145].
وقال: ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ [النحل:88].
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته[2]، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته))[3].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهون أهل النار عذاباً مَن له نعلان وشِراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرْجَل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً))[4].
يقول القرطبي: "هذا الباب يدلك على أن كُفْر من كَفَر فقط ليس ككفر من طغى وكَفَر وتمرّد وعصى، ولا شكّ أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون كما قد عُلم من الكتاب والسنة، ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم، وأفسد في الأرض وكفر، مساوياً لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضحضاح لنصرته إياه، وذبّه عنه وإحسانه إليه؟! وحديث مسلم عن سمرة يصح أن يكون في الكفار بدليل حديث أبي طالب، ويصح أن يكون فيمن يعذّب من الموحّدين"[5].
ج- بعض صور التعذيب في النار:
- إنضاج الجلود:قال تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ [النساء:56].
- الصهـر:قال الله تعالى: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جَوْفه، فيسلُت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يُعاد كما كان))[6].
قال المباركفوري: "((فيسلت)) بضم اللام وكسرها، من سَلَت القصعة إذا مسحها من الطعام فيذهب، وأصل السَّلْت: القطع، فالمعنى: فيمسح ويقطع الحميم ((ما في جوفه)) أي: من الأمعاء، ((يمرق)) بضم الراء أي: يخرج، من مرق السهم إذا نفذ في الغرض وخرج منه، ((وهو الصهر)) بفتح الصاد بمعنى الإذابة"[7].
- اللفْـح:قال الله تعالى عن أهل النار: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ [المؤمنون:104].
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ قال: ((تشوبه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته حتى تضرب سرته))[8].
قال النووي: "تلفح وجوههم النار أي يضربها لهبها قالوا والنفح دون اللفح قال الله ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك أى أدنى شيء منه قاله الهروي وغيره قوله ص ورأيت فيها"[9]
- السّحْـب:قال الله تعالى: إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:47، 48].
وقال: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:70-72].
قال ابن كثير: "إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ أي: متصلة بالأغلال بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم تارة إلى الحميم، وتارة إلى الجحيم"[10].
- تسويد الوجوه:قال الله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106].
وقال: وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [يونس:27].
يقول عبد الرحمن السعدي: "وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وهي وجوه أهل الشقاوة والشرّ، أهل الفرقة والاختلاف، هؤلاء اسودّت وجوههم بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلّة والفضيحة"[11].
د- قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم:قال الله تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَلَـٰسِلَ وَأَغْلَـٰلاً وَسَعِيرًا [الإنسان:4].
وقال سبحانه: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا [المزمل:12].
الأغلال: هي السلاسل، تجمع أيديهم مع أعناقهم[12].
والأنكال: جمع نِكْل بكسر النون، وهي القيود الثقيلة[13].
والمقامع: جمع مقمعة ومقمع، وهي قطعة من حديد[14]، وهي المطارق.
هـ- لباس أهل النار:
قال تعالى: سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ [إبراهيم:50].
السربال: القميص[15].
وكان ابن عباس يقول: (القطران: هو النحاس المذاب)، وربما قرأها: (سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ أي: من نحاس حار قد انتهى حرّه)[16].
وهذه الثياب مفصّلة، قال الله تعالى: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ [الحج:19].
قال ابن كثير: "أي: فصّلت لهم مقطعات من النار، قال سعيد بن جبير: من نحاس، وهو أشدّ الأشياء حرارة إذا حمي"[17].
و- طعام أهل النار وشرابهم:
قال الله تعالى: لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ (6) لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ [الغاشية:6، 7].
وقال: إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ (43) طَعَامُ ٱلأَثِيمِ (44) كَٱلْمُهْلِ يَغْلِى فِى ٱلْبُطُونِ (45) كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ [الدخان:43-46].
أمّا شرابهم فقد قال تعالى: وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:15].
وقال: وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29].
وقال: وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ [إبراهيم:16، 17].
-------------------------------------------------------------------------------