أولاً :
قال الله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس *ِ مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاس * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس *ِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس ) . سورة الناس
في هذه الآيات الكريمة أمر بالاستعاذة من الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس .
وفيها بيان حال هذا الوسواس ، وأنه قد يكون من الجن ، وقد يكون من الإنس .
قال الحسن : هما شيطانان ، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية .
وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .
هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فالصواب في معنى الآية أن قوله : ( مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) بيان للذي يوسوس ، وأنهم نوعان : إنس وجن ، فالجني يوسوس في صدور الإنس ، والإنسي أيضا يوسوس في صدور الإنس . . . .
ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة : اشتراكهما في الوحي الشيطاني ، قال الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) الأنعام/112 .
فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله ، ويوحيه الإنسي إلى إنسي مثله ، فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني ، ويشتركان في الوسوسة . . . .
وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين : شياطين الإنس وشياطين الجن " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" :
" وقوله : ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس )
أي : أن الوساوس تكون من الجن ، وتكون من بني آدم .
أما وسوسة الجن ؛ فظاهر ؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم .
وأما وسوسة بني آدم ؛ فما أكثرَ الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر ، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلُبِّه وينصرف إليه