الحمدلله .. والصلاة والسلام علي رسول الله .. وبعد :
فهذة عقيدة أنصار السنة المحمدية التي يتمسك بها أتباعها ، وهي مطابقة - بحمد الله - لعقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، أهل السنة والجماعة ، فنقول وبالله التوفيق :
عقيدتنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وكذلك الإيمان بكل ما نطق به القرآن ، أو جاءت به السنة الصحيحة .
و نعتقد أن الله له الأسماء الحسني والصفات العلي التي وصف بها نفسه ، أو وصفه بها رسوله صلي الله عليه و سلم ، من غير تكييف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، وأنه - سبحانه - استوي علي العرش ، أي علا وارتفع ، كما فسره السلف - بكيفية لا نعلمها .
و أنه - سبحانه - ينزل إلي السماء الدنيا - كما أخبرت بذلك السنة الصحيحة - بكيفية لا نعلمها ، والله في السماء ، وعلمه في كل مكان ! كما نؤمن أنه - سبحانه - خلق آدم بيده ، وأن يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، كما نثبت له - سبحانه - وجهاً ، وسمعاً ، وبصراً ، وعلماً ، وقدرة ، وقوة ، وعزة ، وكلاماً ، وغير ذلك من صفاته ، علي الوجه الذي يليق به ، فإنه - جل شأنه : ـ
( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) [ الشوري : 11]
ونحن نثبت لله كل صفة أثبتها لنفسه ، كما ننفي عنه - سبحانه - كل صفة نفاها عن نفسه ، ونسكت عما سكتت عنه النصوص ، فإذا قيل : هل لله جسم ؟ نقول : هذا مسكوت عنه ، فلا نثبته ولا ننفيه ، بل نسكت عنه طاعة لله.
كما نعتقد أن الله - سبحانه - هو الخالق المالك المدبر ، فعال لما يريد ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا يُسئـل عما يفعل ، وهم يسألون ،
ونعتقد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن الله خالق العباد ، وخالق أفعالهم ، لقوله تعالي : ( والله خلقكم وما تعملون ) [ الصافات : 96 ] .
ومن عقيدة أنصار السنة : الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما يرى القمر في ليلة البدر لقوله تعالي : ( وجوه يومئذ ناضرة * إلي ربها ناظرة ) [ القيامة : 22 ،23 ] وأما الكافرون فإنهم محرومون من هذة الرؤية ،
لقوله تعالي : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15] .
ونعتقد أن الإيمان قول وعمل ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية .
وتعتقد أنصار السنة : أن مرتكب الكبائر من المسلمين ليس كافراً ، ما لم يكن مستحلاً لها أو جاحداً لحكمها ، بل هو مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، فإن تاب منها تاب الله عليه ، و إن عوقب بها في الدنيا فهي كفارة له ، وإن مات من غير توبة ولا حد فهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، وإن عذبه في النار مع المعـذبين لم يخلده فيها مع الخالدين .
ولا نشهد لأحد من المسلمين بالجنة إلا من أخبرت به النصوص ، ولا نشهد علي أحد بالنار إلا من أخبرت به النصوص .
وبيان ذلك : أن الأعمال بالخواتيم ، والخاتمة لا يعلمها إلا الله ، ولكن نرجو للمحسن أن يكون من أهل الجنة ، ونخاف علي المسئ أن يكون من أهل النار .
كما نعتقد أن عذاب القبر حق ، يعذب الله فيه من شاء ، ويعفو عمن شاء ، لقوله تعالي : ( النار يعرضون عليها غـدوَّا وعشيَّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر: 46 ] ، فأثبت لهم في الدنيا عذاباً بالغدو والعشي ؛ وهو عذاب القبر ، ونؤمن بسؤال منكر ونكير علي ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مع قول الله تعالي: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 27]
ونؤمن بأن الله - عز وجل - قدر لكل مخلوق أجـلاً ، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، وإن مات أو قتل ، فذلك انتهاء أجله ؛ لقوله تعالي : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم ) [ آل عمران : 154 ] .
ونؤمن بكل ما ثبت من علامات الساعة الكبري والصغري ؛ علي ما جاءت به النصوص ؛ كطلوع الشمس من مغربها ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والدابة ، والدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام يقتل الخنزير ويكسر الصليب ، وظهور المهدي رضي الله عنه واسمه محمد ابن عبدالله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد أن ملئت جوراً وظلماً ، كما ثبت ذلك في نصوص السنة الصحيحة .
كما نعتقد أن الموت حق ، و أن البعث حق ، وأن الحشر حق ، وأن الصراط والميزان حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الآخرة موازين ؛ فمن ثقلت موازينة فهو من الناجين ، وأن الشفاعة ثابتة لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، وله شفاعات متعددة أعظمها : الشفاعة العظمي يوم القيامة لإراحة الناس من عناء الموقف العظيم ، وهذه الشفاعة مخصوصة برسول الله صلي الله عليه وسلم . وله شفاعة آخري في إخراج بعض من دخل النار من الموحدين ، وأخري في رفع درجات المؤمنين في الجنة .
ومـع هــذا فإنه لا يجوز للمسلم أن يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم الشفاعة في الدنيا أو مغفرة ذنوبه أو يستجير به ؛ بل يقول : اللهم ارزقني شفاعة رسولك صلي الله عليه وسلم . أو نحو هذا .
ونؤمن أن من مات مشركاً فإنه يخلد في النار قطعاً ؛ لقوله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] .
والشرك نوعان : أكبر و أصغر ؛
فالأكبر هو الذي يخرج من الملة ، والأصغر كلحلف بغير الله ونحو ذلك
فمن خلص من الشركين وجبت له الجنة ، و من مات علي الأكبر وجبت له النار ، ومن خلص من الأكبر ووقع في بعض الأصغر مع حسنات راجحة علي ذنوبه دخل الجنة ، ومن خلص من الأكبر ولكن كثر الأصغر حتي رجحت به سيئاته دخل النار . فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبر ، أو كان كثيراً أصغر ، والأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يؤاخذ به .
ونحـب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم و ندعو لهم ، كما قال الله عز وجل : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم ) [ الحشر :10]
ولا نسب أحـداً من الصحابة ؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : (( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )) ، ونقر بفضائلهم ومراتبهم كما جاءت في الكتاب والسنة ، فنعتقد أن من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل أفضل ممن أنفق من بعده وقاتل . وأن المهاجرين أفضل من الأنصار ، وأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - : (( أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) ، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، كما أخبر بذلك القرآن : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) [ الفتح : 18 ] ، وأخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، ونقر بما أجمع عليه سلف الأمة أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر رضي الله عنه ، ثم عمر رضي الله عنه ، ثم عثمان رضي الله عنه ، ثم علي رضي الله عنه ، ونحب أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ونتولي أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ونعتقد أنهن أزواجه في الجنة .
ونمسك عما شجر بين الصحابة من الإختلاف والتنازع ، ونعتقد أن ما نسب إليهم في ذلك بعضه كذب ، وبعضه فيه زيادة ونقصان ، وبعضه صحيح ، والصحيح منه هم فيه معذورون ؛ لأنهم مجتهدون فإما مصيبون ، وإما مخطئون ، ونحن نشهد لهم بالإخلاص في كل ذلك ، ومع ذلك لا نعتقد أن كل واحد منهم معصوم من الذنوب ، ولهم من الفضائل والحسنات ما يغفر لهم ما قد وقع ، فهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، فهم خير القرون ، وصفوة الأمة ، لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم أو يطعن فيهم إلا منافق أو ضال .
وتعتقد أنصار السنة أن كل مؤمن تقي فهو لله ولي ، وتصدق بكرامات الأولياء (1) التي يجريها الله علي أيديهم ؛ كما هو مأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها ، وكما هو ثابت عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان .
ونفرق بين الكرامة الإيمانية ، والخارقة الشيطانية التي قد يظهرها الشيطان علي يد أوليائه من المبتدعه والدجالين ، فيلبسون بها علي الناس .
ومع هــذا فإن ثبوت الولاية للمؤمن لا يترتب عليه أن نعتقد فيه النفع والضر ، أو نتوجه إليه بشئ من العبادات ، فإنه من ركع أو سجد لحي أو ميت ، أو نذر لغير الله ، أو طاف بقبر نبي أو ولي أو استغاث بهم في الشدائد ، أو طلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ؛ فإنه يكون بكل فعل من هذه الأفعال مشركاً شركاً أكبر لا يغفره الله إلا أن يتوب قبل الموت .
وكذلك التوسل بالأنبياء والأولياء لا يجوز ؛ فإن التوسل قسمان : مشروع و ممنوع
أما المشروع فهو قسمان :
الأول : توسل بالإيمان بالله ورسوله ، والأعمال الصالحة ، كحديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلي الغار ، وهذا مجمع علي مشروعيته
والثاني : توسل بدعائه صلي الله عليه وسلم في حياته ، كما طلب الأعرابي من الرسول صلي الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، وكما طلبت الجارية السوداء التي كانت تصرع أن يعافيها الله - فخيرها بين الصبر والدعاء -
وهذا التوسل بدعائة قد انقطع بموته صلي الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه ، والتوسل بالعباس رضي الله عنه .
أما التوسل الممنوع :
فهو كل توسل بذوات الأنبياء والأولياء وغيرهم ، كما هو معلوم ، فلا يجوز لمسلم أن يأتي قبر رسول الله ويسأله حاجة أو غفران ذنب أو كشف ضر .
ونؤمن بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحج والجهاد ، والجمع والأعياد مع الأمراء والحكام ، أبراراً كانوا أم فجاراً ، ونحافظ علي الجماعة ، ونبذل النصيحة ، ونسعي إلي إقامة مجتمع الجسد الواحد الذي أمرت به السنة ، وندعوا إلي الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء ، والرضاء بمر القضاء وإلي مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ونعتقد أن جماع الدين ؛ عقيدة صحيحة ، وعبادة خالصة ، وأخلاق فاضلة .
ولا نجيز الخروج في الفتنة ، ولا الخروج علي الأمراء والحكام ، ما لم يصدر منه كفر بواح ، وهو الصريح الذي لا يقبل التأويل ، وعندنا من الله فيه برهان كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة .
وتعتقد أنصار السنة أن الله قد أوجب الصلاة علي رسوله صلي الله عليه وسلم علي عباده المؤمنين ؛ لقوله تعالي : ( إن الله وملائكته يصلون علي النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) [ الأحزاب : 56 ] .
هــذه عقيدة أنصار السنة المحمدية علي وجه الإختصار والإجمال ، وكل ما ذكرناه مستمد من عقيدة الفرقة الناجية ، لا يجوز لأحد من أهل السنة أن يخالفها في قليل أو كثير ، فنسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة والجماعة ، وأن يميتنا علي هذة العقيدة الصحيحة . وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وآله وصحبه .