فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : سأل سائل في الأمس القريب عن مسألة قد ابتلي بها أكثر المسلمين في كل بلاد الإسلام ، فأحب أن يعرف حكم الله تبارك وتعالى فيها ، ألا وهي : اللعب بكرة القدم ، حيث صارت شهرة كل شاب نشأ في مجتمع فيه شيء مما يسمى اليوم بالمدنية ، وجوابي على ذلك كما يأتي :
اللعب بالكرة لا يخرج عن أي لعبة أخرى يتعاطاها المسلم ، فهي داخلة في عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( كل لهو يلهو به ابن آدم باطلٌ ؛ إلا ملاعبته لزوجه ، ومداعبته لفرسه ، ورميه بقوسه ، والسباحة ) .
لقد ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه اللعب والملاهي التي كان يلهو بها الناس يومئذٍ ، فاستثناها من اللهو الباطل ، ويجب أن نتنبّه هنا بمناسبة هذا الحديث بأمرين اثنين :
- الأول : أن الحديث - كما سمعتم - بلفظ ( باطلٌ ) ، وليس بلفظ ( محرمٌ ) .
- والأمر الثاني : أننا إذا انتبهنا لهذا الفرق ؛ فحينئذ نعلم : أن هناك فرقًا فقهيًّا - أيضًا - ، فإذا كان الحديث إنما ورد بلفظ ( باطلٌ ) ، فلا يعني أنه بمعنى محرمٌ ، لأن الباطل هو أشبه ما يكون من حيث المعنى المراد منه هو اللغو .
أما المحرم ؛ فهو حكم صريح في وجوب الابتعاد عنه ، إذا عرفنا ذلك ، فحينئذ نستطيع أن نقول : إن كل لهو يلهو به الإنسان في أي زمان ومكان ؛ فهو لغو باطل لا أجر له ، هذا إن نجا من الإثم ، والإثم قد يأتي من ذات النوع الذي يلعب به ، وقد يأتي مما يحيط بنوع اللعب الذي يلعب به ، ولنضرب على ذلك مثلين اثنين ؛ فالأمر - كما - قال تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) . [ الحشر : 21 ] .
المثلان هما : اللعب بالنرد ، واللعب بالشطرنج . فاللعب بالنرد منهي عنه بالنص ولذاته ، فقد جاء وصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( من لعب بالنردشير ؛ فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) .
والنص الآخر هو : (من لعب بالنرد ؛ فقد عصى الله ورسوله ) .
فإذن : لا يجوز اللعب بالنرد لذاته لما فيه من هذا الترهيب الشديد . ( من لعب بالنرد ؛ فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) ، ومعلوم عند الجميع : أن لحم الخنزير ودمه نجس نجاسة عينية ، فلا يجوز إذن اللعب بهذا النوع من الملاهي ، وهذا هو المثال الأول .
أما المثال الثاني : فكما ذكرت - آنفًا - ، اللعب بالشطرنج ، لا يوجد هناك حديث صحيح في النّهي عن اللعب بالشطرنج ، وإذ الأمر كذلك ؛ فما حكمه !؟
لا نستطيع أن نقول : إنه حرام ، لأنه لم يرد فيه نص ، ولا نستطيع أن نقول : إنه مباح مطلق ، لأنه داخل في الحديث الأول ، وهو : ( كل لهو ) .
ولْنُكَنِّ عنه باسم راويه ، وهو جابر بن عبد الله الأنصاري ، فحديث جابر - هذا - فيه هذا العموم : أن كل اللعب إنما هو باطل ، فمن ذلك إذن اللعب بالشطرنج فهو باطل ، هذا الباطل يجب أن ينظر إليه بالنسبة لما قد يحيط به من منكر يرفعه ويصفه في مصاف المحرمات ، وإما أن يرفعه إلى مصاف المباحات .
فإذا كان اللعب بالشطرنج - كما هو الواقع اليوم - فيه بعض التماثيل ، مما يعرف بمثلاً : الفيل ، والفرس ، والمَلِك - وأنا لا ألعبها ؛ لكن حسب ما أقرأ وأسمع أذكر هذه الأشياء منها - ، ولا شك عندكم جميعًا - إن شاء الله - إن لم يكن قد تسرب إليكم بعض الآراء المنافية للسنة الصحيحة من أن الصور المحرمة إنما هي التي تضر في الأخلاق ، وليس هناك ما يضر في مثل هذه الأصنام في العقيدة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما زعموا - نهى عن التصوير وعن اقتنائه نهيًا مؤقتًا من باب سد الذريعة ، وذلك قبل أن يتمكن التوحيد من قلوب أصحابه ، فلما زالت الشبهة من قلوبهم وتمكن التوحيد من نفوسهم فانتفى هذا الحكم الشرعي ؛ ألا وهو التشديد في النهي عن التصوير وعن اقتناء الصور .
هذه شبهة طالما سمعناها كثيرًا من بعض من لم يتفقهوا في الدين . ولا أريد أن أطيل في هذا المجال الآن ، وإنما حسبي أن أذكر : أن التصوير بكل أنواعه سواء كان مصورًا بالقلم ، أو بالريشة ، أو بالدهان ، أو بالتطريز ، أو بأي آلة حديثة - اليوم - وهي كثيرة ، فما دام أن هناك ما يصح أن يطلق عليه لغةً إنه مُصوِّر ، وإنها صورة ؛ فلا يجوزُ تصويرها ، وبالتالي لا يجوز اقتناؤها لدخول تلك الأنواع كلها في عموم هذه الأحاديث المشار إليها ؛ كمثل قوله - عليه السلام - من حيث تحذيره عن التصوير : ( كل مصور في النار ) .
ومن حيث نهيه عن اقتناء كل صورة ألا وهو قوله - عليه السلام - : ( لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة أو كلب ) .
إذ الأمر كذلك ؛ فلا يجوز اللعب بالشطرنج ما دامت هذه التماثيل ظاهرة فيه ، وحينئذٍ إذا كان ولابد من اللعب بالشطرنج ، فيجب القضاء على هذه التماثيل .
بعد ذلك يأتي شرط ثاني ؛ ألا وهو : ألا يصبح اللاعب بالشطرنج عبدًا له ، يصرفه عن عبوديته الحق بالنسبة لله سبحانه وتعالى ، يصرفه عن القيام بالفرائض الواجبة عليه ، وليست هي الصلوات الخمس - مثلاً - ومع الجماعة ؛ أي : لا يكفي أن نقول : إن المحظور من اللعب بالشطرنج هو فقط ألا يلهيه عن القيام بالواجبات والفرائض الخمس ومع الجماعة ، بل يجب : أن نقرن إلى ذلك أن هذا اللعب لا يصرفه عن كل واجبٍ فرضه الله تبارك وتعالى عليه ؛ كمثل - مثلاً - : القيام بواجبه تجاه أهله ، تجاه أولاده ، تجاه إخوانه بصورةٍ عامة ؛ فإن خلا ... ولا أقول : إذا خلا ؛ فإن خلا اللعب بالشطرنج من هذا النوع من المعاصي نقول حينذاك ؛ فهو جائز تمسكًا بالبراءة الأصلية ، حيث أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا جاء نصٌّ يضطرنا أن ننتقل منه إلى ما تضمنه الناقل من الحكم إما تحريمًا ، وإما كراهة .
هذانِ مثالان من الأمثلة التي ابتلي الناس باللهو بها وإضاعة الوقت عليها مثال منهي عنه مباشرة ، ولا يجوز تعاطيه مطلقًا ألا وهو : النرد ، ومثال لم يصح فيه نهي خاص ألا وهو : الشطرنج ، فيجب أن يدار الحكم فيه حسب ما يحيط به من المحاذير ، فإن خلا عن شيء من ذلك جاز اللعب به من باب الترويح على النفس ليس إلا كما يقال .
إذا عرفنا حكم هذين المثالين انتقلنا إلى الجواب عن السؤال : وهو اللعب بالكرة .
لاشك أن اللعب بالكرة هو شأن كل ألعاب ، أو شأن كل الألعاب التي تعرف - اليوم - إلا ما ندر منها ؛ فإن أصلها أعجميٌّ ، فالنرد اسمه : نردشير من فارس ، والشطرنج : أصله - فيما أظن - لعله من الصين أو غيره من البلاد ، الشاهد كذلك كرة القدم ؛ فهذه لعبة وبدعة عصرية جاءتنا من البلاد الأوروبية ، فإذا أراد المسلمون : أن يلعبوا بها ، فأول كل شيء يجب أن ينووا التقوِّي ؛ تقوية البدن استعدادًا لما يجب عليهم أن يخوضوا في العهد القريب أو البعيد في لقاء أعداء الله تبارك وتعالى ؛ فلا بد والحالة هذه : أن تكون أبدانهم صلبة قوية تثبت أمام أعداء الله الأشداء .
فقد جاء في الحديث الصحيح من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير ) .
فلا يخلو المؤمن - ولو كان ضعيفًا حتى في إيمانه - لا يخلو من خير قد ينجيه من الخلود في العذاب ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) . [ ق : 30 ] .
فإذا كانت القوة مرغوبه في المسلم ، فإذن لا مانع بل لعله يستحب : أن يتعاطى المسلم هذا اللعب بهذه النية الصالحة ، فقد جاء - أيضًا - في " الصحيح " قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في تفسير الآية الكريمة : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) . [ الأنفال : 60 ] .
قال - عليه السلام - : ( ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) .
فاللعب بالرمي سواء كان قديمًا بالقوس أو حديثًا بالرصاص ، أو القذائف ، أو نحو ذلك من الأسلحة المدمرة اليوم ، فهو من الوسائل التي لا بد أن يتعاطها المسلم لتقوية جسمه ، ذلك قد يتطلب خروجًا عن البلد حتى لا يصاب بعض المسلمين خطًأ بأذى الرمي .
أما هذه اللعبة ، لعبة الكرة فهذه ليس فيها ما يخشى منها سوى ما قد أشرنا إليه - آنفًا - مما قد يتعرض له اللاعب بالشطرنج ؛ فينبغي أن نقيد الجواز بتلك الشروط .
ومن الملاحظ : أن أكثر الألعاب ، ولنقل بخاصة المبارايات التي تجري بين فريقين ، ولو كانا مسلمين ؛ فإنه لا يراعى في ذلك حدود الله تبارك وتعالى ، فقد تفوت اللاعبين بعض الصلوات ؛ كصلاة العصر - مثلاً - إذا بدأت المباراة قبل العصر ، أو صلاة المغرب إذا بدأت المباراة بعد صلاة العصر وقبيل صلاة المغرب ، فهذا شرط يشمله ما سبق من الكلام .
وثمة شيء آخر يتعلق بهذه اللعبة ومثيلاتها ؛ كلعبة كرة السلة ونحوها ، فإن عادة الكفار ما دام أنهم هم الذين ابتدعوا هذه اللعبة أنهم يلبسون لها لباسًا خاصًا ، ولباسًا قصيرًا لا يستر العورة الواجب سترها شرعًا ، فاللباس هذا يكشف عن الفخذ ، والفخذ ؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( الفخذُ عورة ) .
فلا يجوز للاعبين - ولو كانوا متمرنين فضلاً عن ما إذا كانوا مبارين لغيرهم - لا يجوز لهم أن يلبسوا هذا اللباس القصير ، الذي يسمى في لغة الشرع - اللغة العربية - بـ : التُّبّان ، والتبان : هو السروال الذي ليس له كُمًّا ، ويسمى في بعض البلاد باللغة الأجنبية بالشورت ، وأنتم ما أدري ماذا تسمونه !؟ هاه !؟ كذلك !؟ لعلها لفظة إنجليزية ، فاسمها العربي احفظوا هذا ، لأن من الإسلام : أن نستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى ، أن نستبدل اللفظ العربي باللفظ الأجنبي ، أن نقيم اللفظ الأجنبي ونحل مكانه اللفظ العربي ؛ لأنها لغة القرآن الكريم .
فهذا اللباس : التُّبّان لا يجوز للمسلم أن يلبسه أمام أحدٍ سوى زوجته فقط ، فالذي إذن يلعب هذه اللعبة أمام مرأى بعض الناس فذلك حرام ، لا لذاتها ، وإنما لما أحاط بها من اللباس الغير مشروع ؛ فصار عندنا بالنسبة لهذه اللعبة خاصةً : ألاّ تلهي ؛ كالشطرنج عن بعض الواجبات الشرعية وبخاصة الصلاة .
وثانيًا : أن يكون اللباس شرعيًا ساترًا للعورة .
ويأتي ثالثًا : أن يكون اللعب بما يسمى - اليوم - اسمًا على غير مسمى بالروح الرياضية ، أقول : اسم على غير مسمى ؛ لأن كثيرًا مما يقع قتال وضرب بين المسلمين المتبارين فضلاً عن الكافرين ، وفي الغرب تقع مشاكل ضخمة جدًا يروح فيها قتلى ، وهم يزعمون : أن المقصود من هذه الألعاب : هو تنمية الروح الرياضية ، والمقصود بها بطبيعة الحال : أن الإنسان لا يحقد إذا ما شعر بأن خصمه سيتغلب عليه أو تغلب عليه فعلاً ، فالمسلم لا يحقد ولا يحسد ، فلا ينبغي : أن تصبح هذه اللعبة أداة إفساد للأخلاق .
فحينذاك - ولو توفرت الشروط أو الشرطان السابقان من حيث عدم : أن يكون سببًا لإضاعة الصلوات ، أو لكشف العورات ؛ فلو فرضنا أن هذه اللعبة خلت من هاتين الظاهرتين المخالفتين للشرع ، ولكنها تنمي وتقوي في نفوس اللاعبين بها روح الانتقام ، والحقد ، والتغلب بالباطل على الخصم ، فحينذاك يكون هذا الأمر من جملة الأسباب التي ينبغي منع تعاطي هذه اللعبة .
فإذن الأصل - ألخص الآن ما تقدم - : الأصل في الملاهي التي يلهو بها الناس ما عدا الأربع الخصال المذكورة في حديث جابر : أنها باطل لغو لا قيمة له ، ولا ينبغي للمسلم أن يضيع وقته من ورائها ؛ اللهم إلا إذا حسنت النية ، ولا أقل فيها : أن يكون المقصود الترويح عن النفس مع ملاحظة الشروط التي سبق ذكرها .