هذه القلوب أيها الإخوة تصدأ، تماماً كما يصدأ أي معدن من المعادن، وجلاء هذه القلوب إذا أصابها الصدأ دواء واحد هو ذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا عرفنا هذا الدواء أدركنا السبب في هذا الذي يعاني جلّ المسلمين اليوم، وممَّ يعانون؟ إنهم يعانون من أنّ علاقتهم بالإسلام في الغالبية العظمى أضحت علاقة انتماء فقط، فالمسلم يعلم أنه مُنْتَمٍ إلى هذا الدين، ويعلم خلاصةً عن معنى الإسلام، وربما يعتزُّ بأنه مُنْتَمٍ إليه، أما ما وراء ذلك فهو تائه عنه وغائب.
أكثر المسلمين اليوم ينطبق عليهم هذا الحال فإِنْ صلّوا؛ فإنّ صلاتهم وظيفة من وظائف البدن والجسم لا تتسرب إلى القلب ولا يسري سلطان منها على النفس. وإن جاء موسم الصوم فصاموا رمضان؛ فصومهم وظيفة بدنية يلزمون أنفسهم بها.. وإن أقبل موسم الحج هرعوا إلى الحج بدوافع متنوعة لا نريد أن نطيل فيها، أما القلب فهو في كل الأحوال في معزل عن التفاعل مع حقائق الإيمان والإسلام، لأنه يعاني من صدأ؛ بل يعاني من الرّان الذي تحدث عنه بيان الله عز وجل.. وسبب ذلك أن هؤلاء المسلمين منغمسون في دنيا من شأنها أن تخنق الإنسان وأن تقضي على مشاعره الإيمانية، وليس لهم مقابل ذلك أي نافذة تشدهم إلى الله عز وجل، والنافذة كما قلت لكم: معالجة القلب بذكر الله سبحانه وتعالى.
وذكر الله سبحانه وتعالى له أنواع كثيرة جداً، كل ما يذكرك بالله عز وجل داخل في معنى ذكر الله سبحانه وتعالى، والمهم أن على المسلم أيّاً كان أن يتخذ لنفسه وظيفةً أيْ ورداً - كما قالوا - يثابر عليه في كل يوم، مقبلاً بواسطته إلى الله سبحانه وتعالى. ولعلنا لا نقرأ القرآن إلا لماماً أو نادراً، ومن ثَمَّ لا نعلم أهمية هذا الذي أقوله لكم.
ولو كنا نتعهد تلاوة القرآن الذي هو نوع من أنواع الذكر لعرفنا أهمية هذا العلاج الذي أحدثكم عنه، ألا تقرؤون في كتاب الله عز وجل قوله: {وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف: 18/27] ألا تقرأ قوله عز وجل: {يا أَيُّها الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 73/1-4] ينبغي أن يكون لك ورد دائم من تلاوة القرآن في كل يوم، في كل وقت يناسبك، وإياك أن تفسر هذا الورد بصحيفة أو صحيفتين أو ثلاث صفحات تقرأها ثم تملّ وتلقي القرآن جانباً، وتقوم وقد تخيلت أنك أديت الورد. لا، بل ينبغي أن تكون علاقتك بالقرآن أشد وأقوم وأبقى