البروفيسور كيث مور
استاذ علم تشريح و بيولوجيا
الخليه جامعة تورنتو كندا
هذا البحث ضمن سلسلة أبحاث فى علم الأجنة أجرتها الهيئة بالتعاون مع كبار العلماء فى مختلف أنحاء العالم .
يؤكد القرآن الكريم مراحل النمو ( التخلق ) البشرى فى الآيات التالية .
“" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " ( سورة المؤمنون : 12-14 ) .
لقد قسمت هذه الآية الكريمة مراحل تطور الجنين الإنسانى إلى ثلاث مراحل أساسية ، وفصلت بين كل منها بحرف العطف ( ثم الذى يفيد الترتيب مع التراخى .
فالمرحلة الأولى هى مرحلة النطفة - والمرحلة الثانية هى مرحلة التخليق - والمرحلة الثالثة هى مرحلة النشأة .
وتتألف المرحلة الثانية من أربعة أطوار : العلقة ، المضغة ، العظام ، اللحم .
وتمتد هذه المرحلة ابتداء من الأسبوع الثالث حتى نهاية الأسبوع الثامن . وأهم ما يميزها هو التكاثر السريع للخلايا ، ونشاطها الفائق فى تكوين الأجهزة مما يجعل وصف التخليق وصفاً دقيقاً معبراً عن طبيعة العمليات الداخلية والمظهر الخارجى للجنين حيث ينتقل من مظهر غير متميز إلى مظهر إنسانى متميز فى الأسبوع السابع نتيجة لإنتشار الهيكل العظمى ثم بناء العضلات فى الأسبوع الثامن .
ونظراً لأن العمليات التخليقية للجنين تتم بسرعة كبيرة ، وتتلاحق فيها الأحداث خلال هذه الفترة ، فإننا نلحظ أن القرآن الكريم قد استعمل حرف العطف ( الفاء ) الذى يفيد الترتيب مع التعقيب للربط والانتقال بين أطوار هذه المرحلة .
وسنتناول فى بحثنا هذا طورين من أطوار مرحلة التخليق :
ا - طور العلقه
أولاً : الفهم اللغوى للنص :
وردت كلمة ( علقة ) فى كتب اللغة بالمعانى الأتية :
لفظة ( علقة ) مشتقة من ( علق ) وهو الالتصاق والتعلق بشئ ما .
والعلقة : دودة فى الماء تمتص الدم ، وتعيش فى البرك ، وتتنغذى على دماء الحيوانات التى تلتصق بها ، والجمع علق .
وعلقت الدابة إذا شربت الماء فعلقت بها العلقة . والعلق : الدم عامة والشديد الحمرة أو الغيظ أو الجامد (2) ، وهذا ما أشار اليه أكثر المفسرين . ويضاف إلى ذلك أن العلقة تطلق على : ( الدم الرطب ) ( 3)
وجاءت لفظة ( علقة ) مطلقة فى القرآن الكريم لتشمل المعانى المذكورة التى تقدمت.
ثانياً : التحقيق العلمى للنص :
وتتجلى هذه المعانى التى وردت فى النص القرانى فيما توصل اليه العلم الحديث عن هذه المرحلة وفيما يلى بيان موجز لها .
تلتصق النطفة التامة التكوين والتى تسمى فى هذه المرحلة المتكيسة الجرثومية ( BLASTOCYST ) بجدار الرحم فى اليوم السادس فى بداية طور الحرث ( الانغراس ) (IMPLANTATION) حتى تنزرع تماماً .
وتستغرق هذه العملية اكثر من اسبوع حتى تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية بواسطة ساق موصلة تصبح فيما بعد الحبل السرى .
وفى اثناء عملية الحرث تفقد النطفة شكلها لتتهيأ لأخذ شكل جديد هو : العلقة ، الذى يبدأ بتعلق الجنين بالمشيمة ، ووصف القرأن الكريم هذا التعلق بالعلقة انظر .
وهذا يتفق مع المعنى ( التعلق بالشئ ) الذى يعتبر احد مدلولات ( كلمة علقة ) .
اما اذا اخذنا المعنى الحرفى للعلقة ( دودة عالقة ) فإننا نجد ان الجنين بفقد شكلة المستدير ويستطيل حتى يأخذ شكل الدودة .
ثم يبدأ فى التغذى من دماء الأم ، مثلما تفعل الدودة العالقة ، إذ تتغذى من دماء الكائنات الأخرى ، ويحاط الجنين بمائع مخاطى تماماً ، مثلما تحاط الدودة بالماء .
ويبين اللفظ القرأنى ( علقة ) هذا المعنى بوضوح طبقاً لمظهر وملامح الجنين فى هذه المرحلة . وطبقاً لمعنى ( دم جامد أو غليظ ) للفظ العلقة ، نجد أن المظهر الخارجى للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ لأن القلب الأولى وكيس المشيمة ، ومجموعة الاوعية الدموية القلبية تظهر فى هذه المرحلة .
وتكون الدماء المحبوسة فى الأوعية الدموية حتى وإن كان سائلا، ولايبدأ الدم فى الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث وبهذا يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه دماً رطباً .
وتندرج الملامح المذكورة سابقاً تحت المعنيين المذكورين للعلقة ( دم جامد ) أو ( دم رطب ) ، أما الفترة الزمنية التى يستغرقها التحول من نطفة إلى علقة فإن الجنين خلال مرحلة الانغراس أو الحرث يتحول من مرحلة النطفة ببطء ، إذ يستغرق نحو اسبوع منذ بداية الحرث ( اليوم السادس ) إلى مرحلة العلقة ، حتى يبدأ فى التعلق ( اليوم الرابع عشر أو اليوم الخامس عشر )
ويستغرق بدء نمو الحبل الظهرى حوالى عشرة أيام (اليوم السادس عشر ) حتى يتخذ الجنين مظهر العلقة .
والدلالات الواردة فى الآيات المذكورة فيما يتعلق بالفترة التى تتحول فيها النطفة إلى علقة تأتى من حرف العطف (ثم) الذى يدل على انقضاء فترة زمنية حتى يتحقق التحول إلى الطور الجديد
وهكذا فإن التعبير القرآنى ( علقة ) يعتبر وصفاً متكاملا دقيقاً عن الطور الأول من المرحلة الثانية لنمو الجنين ، ويشتمل على الملامح الأساسية الخارجية والداخلية .
ويتسع اسم ( علقة ) فيشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة عالقة ، كما يشمل الأحداث الداخلية كتكون الدماء والأوعية المقفلة .
كما يدل لفظ علقة على تعلق الجنين بالمشيمة .
وبالإضافة إلى ذلك فقد أظهر القرآن الكريم التحول البطئ من النطفة إلى العلقة باستعمال حرف العطف ( ثم
طور المضغة
يكون الجنين فى اليومين 23-24 فى نهاية مرحلة العلقة ثم يتحول إلى مرحلة المضغة فى اليومين 25-26 ويكون هذا التحول سريعاً جداً ، ويبدأ الجنين خلال أخر يوم أو يومين من مرحلة العلقة اتخاذ بعض خصائص المضغة ، فتأخذ الفلقات ( Somites ) فى الظهور لتصبح معلماً بارزاً لهذا الطور . ويصف القرآن الكريم هذا التحول السريع للجنين من طور العلقة إلى طور المضغة باستخدام حرف العطف (ف) الذى يفيد التتابع السريع للأحداث .
الفهم اللغوى للفظ مضغة :
المضغة فى اللغة تأتى بمعان متعددة منها ( شئ لاكته الأسنان ) (4) وفى قولك (مضغ الأمور ) يعنى صغارها (5).
وذكر عدد من المفسرين أن المضغة فىحجم ما يمكن مضغه .
وعند إختيار مصطلحات لمراحل نمو الجنين ينبغى أن يرتبط المصطلح بالشكل الخارجى ، والتركيبات الداخلية الأساسية للجنين ، وبناء على هذا فإن إطلاق اسم مضغة على هذا الطور من أطوار الجنين يأتى محققاً للمعانى اللغوية للفظ : مضغة .
كما أوضح علم الأجنة الحديث مدى الدقة فى اختيار تسمية ( مضغة ) بهذا المعنى ، إذ وجد أنه بعد تخلق الجنين والمشيمة فى هذه المرحلة يتلقى الجنين غذاءه وطاقته ، وتتزايد عملية النمو بسرعة ، ويبدأ ظهور الكتل البدنية المسماه فلقات التى تتكون منها العظام والعضلات .
ونظراً للعديد من الفلقات ( الكتل البدنية ) التى تتكون فإن الجنين يبدو وكأنه مادة ممضوغة عليها طبعات أسنان واضحة فهو مضغة .
التطابق القرآنى مع العمليات التطورية فى مرحلة المضغة :
ويمكن إدراك تطابق لفظ ( مضغة ) لوصف العمليات الجارية فى هذا التطور فى النقاط التالية
1- ظهور الفلقات التى تعطى مظهراً يشبه مظهر طبع الأسنان فى المادة الممضوغة ، وتبدو وكأنها تتغير باستمرار مثلما تتغير آثار طبع الأسنان فى شكل مادة تمضغ حين لوكها - وذلك للتغير السريع فى شكل الجنين - ولكن آثار الطبع أو المضغ تستمر ملازمة ، فالجنين يتغير شكله الكلى ، ولكن التركيبات المتكونة من الفلقات تبقى ...
وكما أن المادة التى تلوكها الأسنان يحدث بها تغضن وانتفاخات وتثنيات فإن ذلك يحدث للجنين تماماً.
2- تتغير أوضاع الجنين نتيجة تحولات فى مركز ثقله مع تكون أنسجة جديدة ، ويشبه ذلك تغير وضع وشكل المادة حينما تلوكها الأسنان .
3- وكما تستدير المادة الممضوغة قبل أن تبلع ، فإن ظهر الجنين ينحنى ويصبح مقوساً شبه
مستدير مثل حرف (C) بالإنجليزية .
4- ويكون طول الجنين حوالى 1 سم فى نهاية هذه المرحلة ، وذلك مطابق للوجه الثانى من معانى كلمة مضغة وهو (الشئ الصغير من المادة ) وهذا المعنى ينطبق على حجم الجنين الصغير . لأن جميع أجهزة الإنسان تتخلق فى مرحلة المضغة ولكن فى صورة برعم ( 7).
وأما المعنى الثالث الذى ذكره بعض المفسرين للمضغة ( فى حجم ما يمكن مضغه ) فإنه ينطبق ثانية على حجم الجنين ، ففى نهاية هذا الطور يكون طول الجنين (1سم ) وهذا تقريباً أصغر حجم لمادة يمكن أن تلوكها الأسنان .
وأما طور العلقة السابق فقد كان الحجم صغيراً لا يتسير مضغة إذ يبلغ (3.5مم) طولاً وينتهى طور المضغة بنهاية الاسبوع السادس .
ولا تتمايز الفلقات إلى خلايا تتطور إلى أعضاء مختلفة ، وبعض هذه الاعضاء والاجهزة تتكون فى مرحلة المضغة ، والبعض الاخر فى مراحل لاحقة .
وإلى هذا المعنى تشير الآية القرآنية الكريمة {ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة..}(سورة الحج آية 5).
ويحدد القرآن الكريم أن العظام تبدأ بعد مرحلة المضغة ثم تكسى العظام بالعضلات.وهذا ما يقرره علم الاجنة الحديث .
يبدأ طور العلقة بتعلق الجنين بالمشيمة ويأخذ فى تعلقه واستطالته شكل العلقة .
وينتهى هذا الطور بالنمو السريع لخلايا الجنين فى عدة اتجاهات ، وتبدأ العلقة فى أخذ شكل المضغة الذى ينتهى بدوره بانتشار الهيكل العظمى فى اوائل الاسبوع السابع .
وهكذا نجد امامنا مراحل محددة البداية والنهاية ، واسماء معبرة عن الشكل ، واهم الاحداث ، وحروف عطف مناسبة تشير إلى الفوارق الزمنية فى التحول .
ومعرفة هذه الحقائق إلى القرنين الآخيرين كان مستحيلا فضلا عن استحالتها قبل 1400 عام.
وإذا تأمل الإنسان الأطور السابقة يجد أن مراحلها قصيرة جداً ولا يمكن الحصول على الاجنة خلالها إلا بوسائل علمية دقيقة كان من المستحيل تيسرها فى وقت نزول القرآن الكريم ، وما كان يخرج منها إلا حالات الإجهاض على هيئة سقط مبكر يخرج فى كمية الدماء ، وقد تمزق إلى أجزاء دقيقة لا تعطى مضهراً يمكن دراسته فضلاً عن ان تلك الاجيال لم يكن فى امكانها ان تعلم ان هذه الدماء تحمل سقطاً من جنين ، لان معرفة حدوث الحمل لم تكن حتى عهد قريب متحققة فى الاسابيع الاولى التى تحدث فيها هذه الاطوار للجنين .
وهكذا تعتبر هذه الاوصاف القرآنية دلالات واضحة على ان هذه الحقائق العلمية جاءت للرسول محمد e من الله سبحانه وتعالى .
\=--=-=-=-=-=-=
منطقة المصب و الحواجز بين البحار في القرآن الكريم
فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني أسرار المصب و الحاجز بين النهر و البحر في القرآن الكريم: قال تعالي: "و هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات و هذا ملح أجاج و جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا" (الفرقان: 53). البحر العذب المقصود في الآية هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين : عذب و فرات أي أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، و يدل عليه وصف (فرات). و الملح الأجاج هو ماء البحار، وصفه القرآن بأنه أجاج أي شديد الملوحة. أما البرزخ فهو الحاجز المائي المحيط بالمصب. و يعد ماء المصب مزيجا بين العذوبة والملوحة ، فلا هو عذب فرات و لا هو ملح أجاج. و لكن ما هو الحجر المحجور؟ الحجر في اللغة هو المنع و التضييق؛ فمن الممكن أن نفهم الحجر هنا بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر و النهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة من أن تخرج من هذا الحجر، و يكون المعني المقصود: و جعل بين البحر و النهر برزخا مائيا هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، و جعل الحاجز المائي بين النهر و البحر حبسا علي كائناته الحية الخاصة به, ممنوعا عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر و النهر. التحقيق العلمي: قام العلماء بعمل مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار و البحار، اكتشفوا بعدها أن المياه تنقسم إلي ثلاثة أنواع: مياه الأنهار و هي شديدة العذوبة، مياه البحر و هي شديدة الملوحة، مياه في منطقة المصب و هي مزيج من الملوحة و العذوبة. هذه المنطقة هي منطقة فاصلة بين النهر و البحر تزداد درجة الملوحة بها كلما قربت من البحر و تزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر. يوجد أيضا برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب و يحافظ عليها بخصائصها المميزة لها حتى لو كان النهر يصب في البحر من مكان مرتفع كالشلال. وجد العلماء أيضا أن ماء النهر يمتزج بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من ماء المصب. هذه الكتل المائية الثلاث : ماء البحر و ماء النهر و ماء المصب تختلف في الملوحة و العذوبة، كما أن معظم الكائنات التي في البحر و النهر و المصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيتها، فيما عدا بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، و ثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث. و علي هذا يمكن اعتبار منطقة المصب منطقة حجر علي معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأنها لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته و عذوبته، حتى أنها تموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، و هي منطقة المصب. هذه المنطقة تعد أيضا محجورة علي معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر و النهر، لأنها تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الظروف. هذا النظام البديع جعله الله لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر. و قد زودتنا الأقمار الصناعية بصور تبين حدود هذه الكتل المائية الثلاث و تبين الحواجز بينها. و قد حار العلماء طويلا في كشف هذه الأسرار خاصة فيما يتعلق بامتزاج البحر و النهر و الحواجز بينهما، و طبيعة ماء المصب و خصائصه المختلفة عن كل من مياه البحر و النهر، و كيف يمتزج ماء البحر مع النهر و لا يفقد كل منهما خصائصه المميزة؟ كل هذه الأسئلة التي أجاب عليها العلم الحديث بعد عدة قرون من البحث المتواصل و المسح الشامل لمناطق التقاء البحر و النهر، كل هذا أجاب عليه القرآن الكريم منذ عدة قرون في آيات كريمة نزلت علي النبي الأمي e ، الذي عاش في بيئة صحراوية حيث لا وجود لنهر و لا مصب. فمن الذي أخبره عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب، و الكائنات الحية التي تعيش في كل منها؟ من أين جاءه العلم إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علما؟ وصف الحاجز بين البحرين: قال تعالي: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان". (الرحمن: 19-22) . هذه الآية تتحدث عن بحرين ملحين، لأن المرجان لا يكون إلا في البحار المالحة. الآيات السابقة ذكرت أن بين النهر و البحر برزخ و حجر؛ أما في آية الرحمن فبينت أن الفاصل بين البحرين هو البرزخ فقط. فمن الذي أعلم النبي e أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الحواس؟ و الآية تتحدث عن بحرين ملحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كانا لا يختلف كل منهما عن الآخر لكانا بحرا واحدا. و المقصود بقوله تعالي "مرج البحرين" أي أن البحرين مختلطان، و هما في حالة ذهاب و إياب و اضطراب، و هو ما كشفه العلم الحديث من مد و جزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكنها رغم ذلك تختلط مع بعضها في بطء شديد، و إن كان هذا الاختلاط لا يفقدها خصائصها كما يقرر العليم الخبير: "بينهما برزخ لا يبغيان". أي ومع حالة الاختلاط و الاضطراب فإن حاجزا يحجز بينهما يمنع كلا منهما أن يطغي و يتجاوز حده. و هذا ما اكتشفه العلم الحديث، فقد وجد ماء ثالثا يختلف في خصائصه عن خصائص كل من البحرين، و يفصل بين البحرين المتمايزين من حيث الملوحة و الحرارة و الكثافة و الأحياء المائية. أما عن الحجر الموجود بين البحر و النهر، فهذا لا يوجد بين البحرين الملحين لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديدا ليكون مانعا للأحياء البحرية من الانتقال من بيئة إلي بيئة. التحقيق العلمي: توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر إلي ما يلي: يوجد برزخ بين البحرين يتحرك بينهما و يسميه علماء البحار "الجبهة"، و هذا يؤدي إلي احتفاظ كل بحر منهما بخصائصه التي قدرها الله له، و يكون مناسبا لما فيه من كائنات حية. الاختلاط بين البحرين يكون بطيئا، و يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلي آخر يتحول إلي خصائص البحر الذي ينتقل إليه دون أن يؤثر علي تلك الخصائص. و قد اكتشف علماء البحار عام 1873م وجود اختلاف بين البحار المالحة في درجة الملوحة، مقادير الكثافة، و أنواع الأحياء المائية، و كان هذا ثمرة رحلة استمرت ثلاثة أعوام. هذه الحواجز المتحركة بين البحار تم تصويرها عن طريق الأقمار الصناعية. أوجه الإعجاز في الآيات السابقة: لقد قرر العلماء الدارسين لعلوم البحار، أن مناطق اللقاء بين الأنهار و البحار (مناطق المصبات) يكون الماء فيها في حالة ذهاب و إياب و اختلاط و اضطراب، و يعتبر ماء المصب حجرا علي الكائنات الخاصة بالبحار و الأنهار، كما أن ماء المصب محاط ببرزخ مائي يفصل بين البحر و النهر. و ذلك ما قرره القرآن الكريم قبل 1400 عام علي لسان نبي أمي عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر و لا مصب. و كل هذه العلوم لم يعرف الإنسان إليها سبيلا قبل قرنين من الزمان ، خاصة في النصف الخير من القرن العشرين. كذلك لم يعرف الإنسان أن ماء البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي و مختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته و سفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار. فهل كان يملك الرسول e تلك المحطات البحرية، و أجهزة تحليل المياه ، و هل قام بعملية مسح شاملة و هو الذي لم يركب البحر قط؟ و صدق الله القائل:
{سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد} (فصلت:
-\==
--=-==--=-=-=-=
الإعجاز العلمي في القرآن و السنة : الناصية
د/ أحمد كمال مصطفي، د/ مصطفى النجار، د/ فيصل زاهر قال تعالي: {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة} (العلق: 15-16). فقد وصفت الناصية (مقدمة الرأس) في هذه الآية بأنها كاذبة؛ فكيف تكون الناصية كاذبة؟ و لم لم يوصف أي جزء آخر من الجسم بالكذب و الخطأ؟ هل الناصية أو أعلي الجبهة هي المسئولة عن صفات مثل الصدق و الكذب و الخطأ و الصواب؟ التركيب التشريحي لمنطقة أعلي الجبهة: قام (Warwick & Williams, 1973) بدراسة التركيب التشريحي لمنطقة أعلي الجبهة فوجد أنها: تتكون من أحد عظام الجمجمة المسمي "العظم الجبهي" (Frontal bone) و هذا يقوم بحماية أحد فصوص المخ المسمي "الفص الجبهي أو الأمامي" (Frontal Lobe) . و علي ذلك يمكننا أن نقول إن الفص الأمامي للمخ هو العضو المستتر وراء أعلي الجبهة. يحتوي المخ البشري علي خمسة مراكز عصبية، يوجد أحدها في القشرة الأمامية الجبهية (Pre-Frontal Cortex) و هي تمثل الجزء الأكبر من الفص الجبهي للمخ (Frontal Lobe) , و ترتبط وظيفتها بتكوين شخصية الفرد (Individual's Personality) ، كما أنها تعتبر مركزا علويا من مراكز التركيز و التفكير و الذاكرة، و تقوم بالتحكم في مشاعر الفرد بالإضافة إلي تأثيرها في المبادرة في اتخاذ القرار (Initiative) و التمييز (Judgment) . هذه القشرة الأمامية الجبهية، تقع مباشرة خلف الجبهة، أي أنها تختفي في عمق الناصية، فتكون هذه القشرة هي الموجهة لبعض تصرفات الإنسان التي تنم عن شخصيته مثل الكذب و الصدق و الصواب... و هي أيضا التي تحث الإنسان علي المبادأة سواء بالخير أو بالشر. وجه الإعجاز في الآية: هذه الآية نزلت في أبي جهل حين توعد النبي e علي الصلاة عند البيت فتوعده الله تعالي بالأخذ بناصيته الكاذبة (في أقوالها و أفعالها) ، لذا فهي تستحق السفع و الصرع. و بعد التوضيح الذي ساقه البحث عن وظيفة القشرة الأمامية الجبهية، و التي تقع مباشرة خلف الجبهة، يتضح لنا سر التعبير القرآني حين وصف الناصية بأنها كاذبة، و هذا لأنها هي المركز المنظم لسلوك الفرد كما أنها هي المعبرة عن جوانب شخصيته صادقة كانت أو كاذبة.
وجه الإعجاز في سلوك الإنسان و علاقته بالناصية
د/ يحي ناصر خواجي، د/ خلف المطري، د/ نزار العامري إضافة إلي ما ورد في البحث السابق عن الناحية التشريحية للفص الأمامي للمخ ووظيفته فإن هذا البحث يعرض لبعض الحالات المرضية التي أصيب فيها المريض بخلل في مقدمة الفص الأمامي (Pre -Frontal Cortex) مثل حالات التورم السرطانية ، الحوادث ، و النزيف الداخلي الذي يتمركز حول الفص الأمامي فيضغط علي هذه المناطق. هذا بالتالي يؤثر علي سلوك الإنسان ، فبدلا من أن يكون مراع لشعور الآخرين من حوله يصبح من غير المبالين فاقد الشعور بالمسئولية نحو نفسه. من الحالات التي عرضها البحث: مريض أصيب في حادث سيارة، و أصيب بكسر في مقدمة الجمجمة و نزيف في الفص الأمامي، و بعد إنقاذ حياته بإجراء عملية بإزالة النزيف الداخلي خارج المخ و داخل الجمجمة بقي عنده نزيف قليل داخل الفص الأمامي حجمه حوالي 4 مم لكنه كان المسئول عن التغير الكامل في سلوك المريض. و بعد مضي ستة أشهر حدث امتصاص لهذا النزيف القليل و تحسنت حالته تماما و عاد إلي وظيفته. حالة أخري لمريضة كانت مصابه بورم حميد في الجزء الأمامي من الجمجمة ضاغط علي الفص الأمامي لفترة طويلة، مع تغيير في سلوكها، و علله أقاربها بكبر سنها، و لكن بعد إجراء العملية بنجاح، تحسنت حالتها الصحية بعد أقل من أسبوع من إجراء العملية و هي الآن تعي و تتصرف طبيعيا
لناصية (الفلقات الجبهية و الوظائف العقلية العليا)
البروفيسور/ كيث ل. مور، فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني العلاقة بين الفلقات الجبهية و تصرفات الكائن البشري: لسنوات عديدة كانالعلماء يظنون أن الأجزاء الأمامية أو الجبهة من المخ، و التي تسمي الفصوص أو الفلقات ، هي مناطق صامتة، و أن دورها ضئيل في التحكم في وظائف الجسم. و كان السبب في ذلك الاعتقاد أن بتر الألياف العصبية الداخلة و الخارجة من الفصوص الجبهية لا يؤدي إلي أي تغيير مذكور في نشاط الحيوان. و لكن في خلال الخمسين عاما الأخيرة عرف أن الفصوص الأمامية تختص ببعض الوظائف العقلية العليا في الإنسان و الحيوان. و قد بينت دراسات رسوم المخ الإلكترونية و دراسات وظائف الأعضاء الكهربية أن المرضي و الحيوانات التي تعرضت لتلف الفصوص الجبهية، غالبا ما يعانون من تناقص في قدراتهم العقلية. و في الكائنات البشرية قد يعانون من هبوط في المعايير الأخلاقية. و من المعلوم أن هذه الفصوص ترتبط بالعمليات العقلية العليا، فنحن نخطط داخلها للقيام بأي عمل سلوكي مستقبلي كالصدق و الكذب في قضية معينة ، و هكذا فإنها تؤثر في أفعال ووظائف أجزاء المخ الأخرى مثل أفكارنا و مشاعرنا و أحاسيسنا. إعجاز القرآن فيما يتعلق بالناصية: يقول الله تعالي في كتابه الكريم: { كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة} (العلق: 15-16). الناصية هنا تعني الجبهة كما ورد في العديد من التفاسير، و لكن الجبهة هنا تشير إلي ما يقع خلف أو وراء عظام الجبين في مقدم الرأس. و يحدث التخطيط لأفعال مثل الكذب في هذه المنطقة ثم تحمل تعليماتها إلي أعضاء الكلام لتنفيذ الأمر. و كذا في الخطايا الأخرى قبل أن تحمل إلي العين و اليد و الأعضاء التناسلية.... و هناك حديث للنبي e يؤكد فيه أن الناصية تمثل مركز التوجيه و الضبط، و أنها في مقدمة الرأس. فيقول e "ما أصاب أحدا قط هم و لا حزن فقال: اللهم إني عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك...." فيبين الحديث أن القدر بيد الله كما أن ناصية الإنسان بيد الله، و لذا فهو يدال علي أن الناصية تؤدي دورا كبيرا في توجيه و ضبط سلوك الإنسان. هذه المعارف التي اتضحت الآن عن وظيفة الناصية، كانت بعيدة حتى عن التخيل في العصور المبكرة، و بالتالي فإن هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم منذ القرن السابع بعد الميلاد تتضمن علما محيطا و لو بإشارات إجمالية لوظائف الفصوص الأمامية للمخ و هو ما لم يكن معروفا للأطباء في ذلك الوقت، و لم تتم معرفته إلا بعد الدراسات المتعمقة الحدبثة لوظائف الأعضاء و منها المخ. ألا يدل هذا علي أن هذا هو كلام الله أنزله علي رسوله e و صدق الله العظيم القائل: "قل أنزله الذي يعلم السر في السموات و الأرض إنه كان غفورا رحيما" (الفرقان:
-=-==-=--=-=-=
الإعجاز العلمي في آيات السمع و البصر في القرآن الكريم ا.د. صادق الهلالي يقو ل الله تعالي في كتابه الكريم: "و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" (السجدة: 9 ) ذكرت كلمة السمع و مشتقاتها و تصاريفها في القرآن الكريم 185 مرة. بينما و ردت فيه كلمة البصر و مشتقاتها و تصاريفها 148 مرة فقط. حيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم عنت دائما سماع الكلام و الأصوات و إدراك ما تنقله من معلومات. بينما لم تعن كلمة البصر رؤية الضوء و الأجسام و الصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط، فيما عدا ذلك فإنها تدل علي التبصر العقلي و الفكري بظواهر الكون و الحياة و ما يسمعه المرء من آيات الله. الملاحظ أن في جميع الآيات المذكورة، أن كلمة "السمع" قد سبقت كلمة "البصر" بلا استثناء، فهل لهذا فهل لهذا السبق من دلالة خاصة؟ الحقائق العلمية الحديثة في علوم الأجنة و التشريح و الفيزيولوجي و الطب التطور الجنيني للأذن و العين يتطور جهاز السمع عند الجنين قبل جهاز البصر و ينضج حتى يصل حجمه في الشهر الخامس من حياةالجنين إلي الحجم الطبيعي له عند البالغين . . و يتكامل نمو الأذن في الأسبوع 23 من الحمل, فتنضج الأذن الداخلية و تصبح قادرة عليالسمع في الشهر الخامس، أما العين فلا يتم تكامل طبقتها الشبكية الحساسة للضوء إلا بعد الأسبوع 25 و يبقي جفنا عيني الجنين مغلقتين حتى الأسبوع26 من الحياة الجنينية . و لا يكون العصب البصري مكتملا لنقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة إلا بعد عشرة أسابيع من ولادة الجنين، و يتم نضوج العينين عند السنة العاشرة من العمر.
2. السمع و البصر: ثبت علميا أن الجنين في شهره الخامس يسمع أصوات حركات أمعاء و قلب أمه، و تتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية و العصب السمعي يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية، و هذا برهان علمي يثبت سماع الجنين للأصوات في هذه المرحلة المبكرة من عمره. لم تسجل مثل هذه الإشارات العصبية في الجهاز البصري للجنين لأنه لا يبصر الضوء إلا بعد ولادته
3. اكتمال حاستي السمع و البصر: يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته بعد أن تمتص كل السوائل و فضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطي، ثم يصبح السمع حادا بعد أيام قلائل من ولادة الطفل. و الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات و هو في رحم أمه، فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة. فالقط يبدأ بسماعها بعد ولادته بـ 5-6 أيام، و الأرنب بعد 7 أيام و الكلب بعد 10 أيام. أما حاسة البصر فهي ضعيفة جدا عند الولادة إذ تكاد تكون معدومة، و يصعب علي الوليد تمييز الضوء من الظلام و تتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره و تثبيته علي الجسم المنظور، ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمه أو قنينته الطبية و تتبع حركاتها، و يتعرف علي وجوه الأشخاص في الشهر السادس. 4. تطور المناطق السمعية و البصرية المخية: ثبت أن المنطقة السمعية المخية تتطور و تتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية، و قد أمكن تسجيل إشارات عصبية سمعية من هذه المنطقة السمعية عند تنبيه الحنين بمنبه صوتي في بداية الشهر الخامس، علي حين لا تنبه المنطقة البصرية للمخ في هذه الفترة بأية منبهات. لهذه الأسباب يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية, و يتعلمها و يحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية. فهو يفهم الكلام الذي يسمعه و يدركه و يعيه أكثر من فهمه للرسوم و الصور و الكتابات التي يراها، ويتعلم النطق في وقت مبكر جدا بالنسبة لتعلمه القراءة و الكتابة. 5. نواح أخري تميز حس السمع علي البصر: يفقد المرء حس البصر قبل فقدانه حس السمع عند بدء النوم أو التخدير أو عند الاحتضار أو عند هبوط ضغط الأكسجين في الهواء. و يتسبب التعجيل الشديد في الإقلاع و أثناء الطيران أو الارتفاع عند بعض الطيارين أو عند رواد الفضاء في حدوث ضباب الرؤية قبل فقدانها تماما، و لا يفقد الطيار في هذه الأحوال حس السمع كله، بل يبقي جزء منه لفترة تالية تبقيه باتصال صوتي مع المحطات الأرضية. من نواح التميز أيضا، أن المساحة السمعية تزيد علي المساحة البصرية بدرجة كبيرة، فيتمكن الإنسان من سماع الأصوات التي تصل إلي أذنيه من كل الاتجاهات و الارتفاعات. فالمساحة السمعية تبلغ360 بينما لو ثبت الإنسان رأسه فلن يتمكن من رؤية الأجسام إلا في مساحة بصرية محددة.
ملامح الإعجاز في آيات السمع و البصر في القرآن الكريم: ورد في القرآن الكريم عديد من الآيات التي تشير إلي نعمتي السمع و البصر، و تقدم فيها ذكر السمع علي البصر في كل الحالات تقريبا، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سبب هذا التقديم، و الشيء الذي يميز السمع علي البصر في النشأة. من هذه الآيات قوله تعالي: "و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون" (النحل: 78) ، و قوله تعالي "و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" (السجدة : 9). و قوله تعالي "إن السمع و البصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (الإسراء: 36). وقد تضافر الحديث النبوي مع الآيات القرآنية في تقديم السمع، فيقول النبي e "إذا مر بالنطفة ثنتان و أربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها و خلق سمعها و بصرها و جلدها و لحمها و عظامها..." الحديث. ففي هذا الحديث ، بالإضافة إلي الآيات الكريمة ،نجد إشارة واضحة إلي تقدم السمع علي البصر في النشأة و السبق في الأداء الوظيفي، و هو ما أثبته بالفعل العلم الحديث كما رأينا فيما سبق عرضه من اكتشافات علمية تتعلق بنشأة الجهاز السمعي عند الجنين قبل البصري، إلي جانب أداء وظائفه قبل الولادة علي حين يتأخر هذا الأداء في البصر إلي ما بعد الولادة بفترة قد تصل إلي عدة أسابيع حين يبدأ الطفل في تمييز بعض الأشكال من حوله. هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة قبل أربعة عشر قرنا، و لم يعرف الكثير منها إلا في العقود الأخيرة من هذا القرن حتى إن من العلماء من كانوا يرون أن حس البصر أهم من حس السمع، و لكن الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن الكثير من الحقائق الناصعة التي تبين الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي قدمت السمع علي البصر لأسبقيته في الخلق و التطور العضوي و الوظيفي، و للمميزات الكثيرة للسمع علي البصر. و صدق الله العظيم القائل: { و قل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها} (النمل: 93) {سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (فصلت:53)
\==-\=\=\=\=\=\=
الإنسان في الارتفاعات العالية بين العلم الحديث و الإعجاز العلمي في القرآن الكريم دكتور/ صلاح الدين المغربي
يقول الله تعالي في كتابه الكريم
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره
ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون (الأنعام: 12)
لقد أثبت علم الطيران أن الإنسان حين يتعرض للارتفاعات العالية في الطبقات العليا في السماء، تحدث له أعراض فسيولوجية تتدرج من الشعور بالضيق (الذي يتركز في منطقة الصدر)، إلي الدخول في مرحلة حرجة إذا استمر في التعرض للارتفاعات العالية و انخفاض الضغط الجوي. فهل هناك صلة بين ما جاء في الآية الكريمة و ما اكتشفه العلم الحديث؟
الحقائق العلمية الحديثة فيما يتعلق بحال الإنسان في الارتفاعات العالية: 1. الغلاف الجوي و طبقاته و تأثيره فسيولوجيا علي الإنسان: - منطقة كافية "فسيولوجيا" من سطح البحر إلي ارتفاع 10000 قدم. كمية الأكسجين الموجودة في هذه المنطقة تكفي فسيولوجيا لحياة الإنسان. ب - منطقة غير كافية "فسيولوجيا" من10000 - 50000 قدم. يوجد في هذه المنطقة نقص في كمية الأكسجين، بالإضافة إلي الانخفاض في الضغط الجوي، و وينتج عن ذلك آثار واضحة علي "فسيولوجيا" جسم الإنسان، فتظهر أعراض نقص الأكسجين Hypoxia ، و أعراض انخفاض الضغط الجوي Desparism . ج _ منطقة الفضاء التقريبي: من ارتفاع 50 ألف قدم إلي حوالي 633 ألف قدم ، و لا يستطيع الإنسان من الناحية الفسيولوجية أن يعيش في ارتفاع أكثر من 50000 قدم حتى لو تنفس 100% أكسجين، بل لا بد له من ارتداء ملابس الفضاء ليتحمل الانخفاض في الضغط الجوي و نقص الأكسجين في هذه الارتفاعات. 2. مراحل أعراض ظاهرة نقص الأكسجين: تنقسم إلي أربعة مراحل تتعلق بالضغط الجوي و مستوي الارتفاع و نسبة تركيز الأكسجين في الدم. ا - من مستوي سطح البحر إلي ارتفاع 10000 قدم، في هذه المرحلة لا توجد أعراض لظاهرة نقص الأكسجين. ب - من ارتفاع 10000 إلي 16000 قدم، تعمل أجهزة التكافؤ الفسيولوجي علي عدم ظهور أعراض نقص الأكسجين، إلا إذا طالت مدة التعرض لهذا النقص، فتبدأ عملية التنفس في الازدياد عددا و عمقا، و يزيد النبض، و ضغط الدم. ج - من ارتفاع 16000 -25000 قدم لا تفي أجهزة التكافؤ الفسيولوجي بالمطلوب، و لا تستطيع توريد الكمية الكافية من "الأكسجين" للأنسجة، و هنا يبدأ ظهور الأعراض. فنجد في هذه المرحلة تفسيرا واضحا لضيق الصدر الذي يشعر به الإنسان عندما يصعد إلي هذه الارتفاعات. د - المرحلة الحرجة من ارتفاع 2500 فأعلي. في هذه المرحلة يفقد الإنسان الوعي تماما بسبب فشل الجهاز العصبي. فتصل التغيرات التي تحدث في الصدر في هذه المرحلة من الارتفاع إلي أقصاها، و بعدها يحدث فشل كامل في وظائف القلب و الجهاز التنفسي الفسيولوجية. 3 - ظاهرة انخفاض الضغط الجوي: عندما يتعرض جسم الإنسان لانخفاض الضغط الجوي في الارتفاعات العالية، (كما يحدث لركاب الطائرات عندما تفشل أجهزة ضبط الضغط داخل الطائرة) تحدث مجموعة من الأعراض ناتجة عن تمدد حجم الغازات و زيادتها في جسم الإنسان. فالغازات المحبوسة في تجاويف الجسم مثل المعدة، إذا ازداد حجم الغازات داخلها فإنها تضغط علي الرئتين مما يسبب اضطرابا شديدا في التنفس، و ضيق في الصدر. يحدث نفس الشيء أيضا في القولون، الرئتين، الأسنان، الأذن الوسطي و الجيوب الأنفية و كل هذا يتسبب في آلام شديدة في الجسم. و يسبب تصاعد الغازات الذائبة في خلايا الجسم - النيتروجين - اختناقا ينتج عنه آلاما شديدة بالصدر. ملامح الإعجاز في آيات القرآن الكريم: ذكرت الآية الكريمة { و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ...} أن ضيقا يحدث بالصدر عند الصعود في السماء، و هو ما أثبته العلم الحديث كما ذكرنا آنفا من أن الصعود في طبقات الجو العليا يسبب أعراضا ناتجة عن نقص الأكسجين و الانخفاض في الضغط الجوي، مما يؤدي إلي ضيق في الصدر بسبب زيادة حجم الغازات في تجويف الجسم، و ضغطها علي الرئتين، إلي جانب تصاعد الغازات الذائبة في خلايا الجسم علي هيئة فقاعات عند الارتفاعات العالية مما يؤدي لحدوث آلام شديدة بالصدر. فقوله تعالي { .. يجعل صدره ضيقا } يقدم في إيجاز شرحا دقيقا لما يحدث "فسيولوجيا " للإنسان في الارتفاعات العالية. و هذه الحقيقة العلمية المذكورة في الآية الكريمة لم يصل إليها العلماء إلا بعد اجتهاد دام عشرات السنين. أما قوله تعالي" حرجا" فهو ما يحدث للإنسان عندما يواصل الارتفاع في طبقات الجو العليا حتى يصل إلي الارتفاع الحرج كما ذكرنا من 25000 قدم فأعلي، حين يفقد الإنسان وعيه تماما بسبب فشل الجهاز العصبي.
\
\=--=-=-=-=-=-=-=-=
الإحساس بالألم بين الطب و القرآن
د. سالم عبد الله المحمود ، و الشيخ عبد المجيد الزنداني قال تعالي: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرهما ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما} (النساء: 56). و قال تعالي: { و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} (محمد: 15). فهل هناك فارق بين الجلد و الأمعاء في الإحساس بالألم كما يفهم من الآيتين؟ أولا: الحقائق العلمية المتعلقة بالجلد من ناحية الإحساس بالألم: كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون أن الجسم كله حساس للآلام و لم يكن معروفا أن هناك أعصاب متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الآلام المختلفة. و لكن العلم الحديث اكتشف أن هناك ما يقرب من خمسة عشر مركزا لمختلف أنواع الإحساس العصبي. و قد قسم علماء الطب الإحساس إلي ثلاث مجموعات: إحساس سطحي، إحساس عميق، و إحساس مركب. يختص الإحساس السطحي باللمس و الألم و الحرارة ، أما الإحساس العميق فيختص بالعضلات و المفاصل. و قد أثبت التشريح أن الأعصاب الخاصة بالألم و الحرارة متقاربة جدا وتقع نهايات الأعصاب الخاصة بالإحساس بالألم في منطقة الجلد بكثافة عالية. فالجلد هو أهم أجزاء جسم الإنسان إحساسا بالألم، نظرا لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم و الحرارة. درجات الحروق و أنواعها: يوجد حروق من الدرجة الأولي، و حروق من الدرجة الثانية ، و تنقسم كل منها إلي حروق سطحية و حروق عميقة، ثم حروق من الدرجة الثالثة. في هذه الحروق الأخيرة نجد أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، و ربما تصل الإصابة إلي العضلات أو العظام، و يفقد الجلد مرونته و يصبح قاسيا جافا. و في هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيرا لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق. ثانيا: الأحشاء و عذاب يوم القيامة: كشف علم التشريح أن الأمعاء تتركب من ثلاث طبقات رئيسية هي: الطبقة الخارجية: و هي الطبقة المصلية، و هي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي..، الطبقة الوسطى: و هي الطبقة العضلية ، و الطبقة الداخلية و تسمي بالطبقة المخاطية، و التي تنقسم بدورها إلي عدة طبقات. و يتجلى في هذا التركيب الإبداع الإلهي الذي جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها التي يمكن أن تحدث آلاما منها آلام الإحساس بالحرارة. أما تجويف البطن فهو مبطن بالبريتون الذي يبلغ حجمه 20400 سم مكعب و يساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم . و تشبه متلقيات الألم (Receptors) و الوحدات الحسية الأخرى الموجودة في الأحشاء ، تلك الموجودة في الجلد، مع الاختلاف في درجة توزيعها. ما الأحشاء فلا يوجد بها إلا عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة و اللمس. لذا فعندما عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي، و يفتح البطن و تمسك الأمعاء أو حتى تقطع، لا ينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بالألم. و لكن عندما تقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان) الذي ينفذ منها إلي التجويف البريتوني المحيط بالأحشاء (البريتوني) و الغني بالأعصاب الحساسة فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده. فتقطيع الأمعاء هدفه الوصول إلي الطبقة الخارجية من البريتون التي بها العصب المغذي للحس (Nerve Supply) . وجه الإعجاز في الآيات: بين الله تعالي أن الجلد هو محل الألم و العذاب، و هو وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار، و ذلك في قوله تعالي: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} . فحين ينضج هذا الجلد و يحترق و يفقد وظيفته و يتلاشى الإحساس بالألم، يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب و الوظيفة، و هذا هو ما أثبته العلم الحديث من أن الجلد به نهايات عصبية هي مراكز الإحساس بالألم و الحرارة ، و التي إذا احترقت كما بينا في حالة الحرائق من الدرجة الثالثة، فإن الإحساس بالألم يتلاشى. كما كشف العلم الحديث أن هذه النهايات العصبية لا توجد بكثافة إلا في الجلد، و ما عرفت هذه الحقيقة إلا بعد اختراع المجهر و تقدم علم التشريح و لكن القرآن الكريم أشار إلي هذه الحقائق منذ أربعة عشر قرنا.
أما السبب في تهديد الكفار بالعذاب بماء حميم {و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} (محمد: 15). فقد اتضح السبب الآن مع تقدم العلم الحديث من أن الأمعاء لا تتأثر بالحرارة، و لكنها إذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلي البريتون الجداري، الذي يغذي بنفس نوعية الأعصاب التي تغذي الجلد . أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف لاختلاف طبيعة الجلد، فلا يكون الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج إلا بتجديد جلد جديد. هذه الحقائق التي اكتشفها العلم الحديث كما ذكرنا، قالها القرآن الكريم منذ 14 قرنا، لأن القرآن هو كلام الخالق العليم، الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان و أسراره
=\=--=-=-=-=-=-=-=-=-=-=
اختلاط الماء بالأرض الهامدة
د. قطب عامر فرغلي يقول الله تعالي في كتابه الكريم { و تري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج} (الحج: 5). هذه الآيات الكريمة تصف ما يحدث للتربة الجافة عند سقوط الماء عليها، و المراحل الثلاث التي تمر بها حتى يظهر نباتها فوق سطح التربة و تؤتي ثمارها. فماذا قال العلم الحديث عن مراحل الإنبات؟ الحقائق العلمية الخاصة بمراحل نمو النبات: أولا: اهتزاز الأرض أو التربة: المقصود باهتزاز التربة هو حدوث حركة اهتزازية للحبيبات المكونة للتربة، و ليس تحرك طبقات القشرة الأرضية كتلة واحدة كما يتم أثناء زلزلة الأرض. هذه الحبيبات تتكون من طبقات متراصة من صفائح السيليكا (Silica) و الألومينا (Alumina) ، كل طبقة فوق الأخرى. حين يدخل الماء في طبقاتها، يسبب انتفاخ حبيبات الطين. إذن نزول الماء علي الأرض بكميات مناسبة يؤدى إلي اهتزاز حبيباتها، و يمكن تفسير ذلك بما يلي: - وجود شحنات كهربائية علي سطح الحبيبات(تظهر عند سقوط الماء) مما يسبب عدم استقرارها و حدوث حركات اهتزازية لا يمكن ثباتها إلا بعد تعادل هذه الشحنات أخري مخالفة لها في الشحنة . و هنا تتجلى حكمة خلق الكائنات في أزواج، فهو أدعي لاستقرارها و سكونها. ب - حدوث حركات و اهتزازات لجزيئات التربة نتيجة لدفع الدقائق الطينية بجزيئات السائل (الماء). و لما كانت حركة جزيئات السائل ليس لها اتجاه ثابت فإن حبيبات الطين تهتز و تتحرك من مكانها نتيجة لما تتعرض له من ضربات عل جوانبها المختلفة. و قد لاحظ العالم روبرت براون (1828) هذه الحركة لحبيبات الطين، و أطلق عليها اسم Brownian movement.. و كلما كان السائل وفيرا، أدي ذلك إلي تباعد حبيبات التربة و سهولة حركتها، فإذا نقص الماء تقاربت الحبيبات و أبطأت اهتزازها حتى تتوقف. فالاهتزاز هو في محصلته، تأثير مباشر للماء علي حبيبات التربة. ثانيا: المرحلة الثانية "ربت": المراد بهذه الكلمة، انتفخت و نمت و زادت في السمك و بالتالي زيادة حجم الأرض نتيجة زيادة أحجام حبيباتها . كما ذكرنا من قبل، فإن حبيبة الطين تتكون من طبقات متراصة، بين كل طبقة و أخري مسافات تتيح لجزيئات الماء و أيونات العناصر الذائبة فرصة الدخول فيها، فحين يتسرب الماء بين طبقات الحبيبة و كذلك العناصر الغذائية الذائبة، فإن ذلك ينتج في زيادة حجم الحبة و ربوها. و هذا يماثل انتفاخ الطين في التجارب المعملية عند صب كمية معينة من الماء عليه، فينتفخ لتشربه بالماء. هنا تحدث عملية أخري و هي حفظ الماء من التسرب إلي أسفل بتأثير الجاذبية الأرضية، لأن الحبيبات تحمل الماء بين طبقاتها، و يكون لها القدرة علي حفظ جزيئات الماء علي سطحها بقوي الجذب الالكتروستاتيكية و التحام جزيئات الماء ببعضها مما يجعلها بمثابة هذا الوعاء الذي يحفظ الماء من التسرب لأسفل. ثالثا: مرحلة "الإنبات": في هذه المرحلة تحدث عملية إنبات البذور و غيرها مما تحتويه الأرض ، فعندما يتوفر الماء ينشط جنين البذرة، و تنتقل إليه المواد الغذائية البسيطة التركيب (بعد تحلل المواد المعقدة مائيا بواسطة الإنزيمات الخاصة بذلك). يبدأ أولا بزوغ الجذر (Radical) بقدرة الله كي يتحسس وسط الإنبات و يوفر احتياج النبات فيما بعد، ثم يليه الريشة (Plumule) التي تعطي المجموع الخضري. هذه الريشة تتجه إلى أعلي مخترقة لحبيبات التربة ثم تظهر فوق التربة متجهة ناحية الضوء.
ملامح الإعجاز العلمي في آيات الإنبات: هذه المراحل الثلاث التي يمر بها النبات حتى تظهر فوق سطح الأرض، ذكرها الله تعالي في كتابه الكريم في تعبير دقيق يصف هذه المراحل كما صورها العلم الحديث. فقوله تعالي: {و تري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج} (الحج: 5)، و قوله سبحانه: {و من آياته أنك تري الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه علي كل شيء قدير} (فصلت: 39). فنجد كلمة "اهتزت" تعبر تماما عن الأثر الذي يحدثه الماء عند نزوله علي التربة من اهتزاز لحبيباتها نتيجة للشحنات الكهربائية، و دفع جزيئات الطين بجزيئات الماء، كما ذكرنا. أيضا كلمة "ربت" تعني في اللغة انتفخت و نمت و زادت في السمك، و هو ما وضحناه من حدوث زيادة في حجم الحبيبة و سمكها نتيجة امتصاص الماء و العناصر الغذائية الذائبة فيه, و انتفخت لتخزين الماء اللازم لإحياء الأرض و هذا يجعلنا نتأمل قوله تعالي: { و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض} (المؤمنون : 18 ) . ثم يبزغ الجذر و الريشة، فتكون الأرض بذلك قد "أنبتت"، و هي المرحلة الثالثة التي تحدثت عنها الآية. ثم يظهر النبت بعد ذلك فوق سطح التربة و يكبر و يثمر معطيا رزقا للعباد، و يتم كل هذاوفق ترتيب محكم و زمن متقن لأنه من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه. {فانظر إلي آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن الذي أحياها لمحيي الموتى و هو علي كل شيء قدير} (الروم: 50).
أن كلمة "السمع" قد سبقت كلمة "البصر" بلا استثناء، فهل لهذا فهل لهذا السبق من دلالة خاصة
\=--=-=-=-=-=-=-=
من إعجاز القرآن العلمي في نبات المحاصيل
د. السيد محمد زيدان قول الله تعالي في كتابه الكريم: {محمد رسول الله و الذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه} (الفتح: 29). هذه الآيات الكريمة تتحدث عن أطوار نمو نباتات العائلة النجيلية في تعبير و ترتيب دقيق واضح، فكيف وصف العلم الحديث هذه الأطوار؟
أطوار نمو نباتات العائلة النجيلية كما وصفها العلم الحديث: تعد العائلة النجيلية (Germanica) إحدى العائلات النباتية لذوات الفلقة الواحدة (Monocotyledons) . تتكون نباتات هذه العائلة من الجذور الليفية و الأوراق الشريطية و السيقان القائمة و الأزهار في نورات تعرف بالسنابل (Spikes) . من نباتات هذه العائلة: الأرز و القمح و الشعير و الذرة الرفيعة و قصب السكر. و تتشابه نباتات العائلة في مراحل نموها، فتبدأ بانقسام خلايا الجنين بالحبة، فيتكون أولا المجموع الجذري و الأوراق الخضرية الأولي ثم يتكون الساق مع استمرار تكوين الأوراق، ثم يبدأ ظهور السنابل و تتكون الأزهار. هذه النباتات تخرج ما يسمي بالشطء، و هو فرع يشبه الأصل تماما (Tiller) ، و يختلف عن الفرع المعروف بـ (Branch) لأن هذا الأخير يختلف عن الأصل قليلا. و جميع النباتات المذكورة سابقا (الأرز و الشعير...) تخرج أشطاء مماثلة للساق الأصلي الذي يظهر مباشرة من الحبة بعد إنباتها. و يصل عدد الفروع إلي حوالي 30 فرعا (شطء) حسب نوع النبات و الظروف المحيطة. و يوجد فترة زمنية بين خروج الشطء الأول و الثاني و الثالث و هكذا. يقوم النبات الأصلي بعد ذلك بتقوية الشطء الذي يخرجه، و هذه حقيقة واضحة الآن، و تم تأكيدها بالبحوث العلمية الدقيقة بواسطة أجهزة دقيقة و فحوص ميكروسكوبية لتأكيد العلاقة بين الشطء و الأصل. من هذه البحوث ما أجراه عالمان من اليابان هما (Ishizuka and Tanaka , 1963) ، و قد قام العالم الإنجليزي (Evans 1975) بالتعليق علي النتيجة التي توصلا إليها في كتابه عن فسيولوجيا المحاصيل: حيث وجد أن الشطء عند خروجه من الأصل (الأم) يعتمد اعتمادا كليا عليه (علي الأم) في امتصاص العناصر الغذائية اللازمة لبناء خلاياه. في المرحلة التالية تتكون علي الشطء ثلاث أوراق خضرية و أربعة أو خمسة جذور حيث يبدأ في الاعتماد علي نفسه في تكوين مواد غذائية عن طريق امتصاص الجذور للعناصر الغذائية المذابة في الماء و اللازمة للنمو. و تقوم الأوراق بعملية التمثيل الضوئي و تكوين المواد الكربوهيدراتية اللازمة للطاقة، و تزداد في هذه المرحلة قوة الشطء و مقاومته للظروف المناخية بازدياد سمكه.
تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة و هي استطالة السيقان و ظهور السنابل علي قممها، و عندما تصل السيقان إلي أقصى طول لها تكون السنابل قد تكونت جميعا.
ملامح إعجاز القرآن في وصف نباتات المحاصيل:
ذكرت الآيات الكريمة من سورة الفتح، التسلسل الذي تمر به هذه الأنواع من نباتات المحاصيل، حتى تؤتي ثمارها و تخرج سنابلها، و قد أوضحت أطوار النمو في تعبيرات دقيقة موجزة تصف كل مرحلة علي حدة كما وصفها الآن العلم الحديث بعد بحوث شاقة و جهود معملية استغرقت سنوات طويلة. يقول الله تعالي: {كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} (الفتح: 29). فجاء قوله سبحانه: "أخرج شطأه" يفهم منه بداية أن المقصود بالوصف هو أحد نباتات العائلة النجيلية، لأنها هي التي تخرج أشطاء. و الشطء هو الفرع الذي يشبه الأصل تماما كما ذكرنا من قبل. الطور الثاني و هو تقوية هذا الشطء عن طريق الفرع الأم، الذي يمده بالعناصر الغذائية اللازمة لبناء خلاياه و حتى تتكون عليه ثلاث أوراق، هذا الطور يصفه القرآن بقوله: "فآزره". هذه الكلمة تعني في اللغة: قواه و أعانه و شده. و هذا يعني أن الزرع أو النبات الأصلي يقوم بتقوية الشطء الذي يخرجه، و قد ثبت هذا علميا كما ذكرنا. تأتي بعد ذلك الكلمة التالية أو المرحلة التالية "فاستغلظ"، و الفاء هي فاء التتابع، و المقصود هو عملية الاستغلاظ أو الزيادة في السمك. و تختلف هذه الكلمة عن سابقتها، فالفرع يعتمد علي نفسه في الزيادة في السمك و تقوية جدر خلاياه، أما في المرحلة السابقة فيعتمد علي الفرع الأم في الحصول علي العناصر الغذائية ، فجاء التعبير "فآزره" مشيرا إلي أن الذي قواه هو الفرع الأصلي و لم يقو بنفسه كما في مرحلة الاستغلاظ التالية. و تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة و هي مرحة تكوين السنابل و نمو الحبوب و التي وصفها القرآن بقوله "فاستوي علي سوقه" . هذه الآيات القرآنية البليغة في سورة الفتح، ذكرت في إيجاز شديد، و لكن في غاية الدقة و الإبداع أطوار النمو التي أوضحناها بترتيب دقيق واضح ، مع الفارق في انه ذكر منذ أربعة عشر قرنا من الزمان قبل معرفة الميكروسكوبات و التجارب المعملية!
\=-=--==--==-=-