تنبيهات هــامــة
تتعلق بالعقيدة
راجعها فضيلة الشيخ
د/عبد الرحمن المحمود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله .
الشرك بالله : هو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال : قال رسول الله : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) قالوا : قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله .." [ متفق عليه ] .
وكل ذنب يمكن أن يغفر ه الله إلا الشرك فلابد له من توبة مخصوصة، قال الله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا [النساء: 116] .
والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام، صاحبه مُخلَّد في النار إن مات على ذلك .
ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين :
عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرِّجون الكربات، والاستعانة والاستغاثة بهم . والله سبحانه وتعالى يقول : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ الإسراء : 23] . وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد . والله يقول : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [ النمل : 62 ] .
وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي – مستغيثاً به – عادتَه وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر، وكلما وقع في ورطة أو مصيبة أوكربة، فهذا يقول : يا محمد، وهذا يقول : يا علي، وهذا يقول : يا حسين، وهذا يقول : يا بدوي، وهذا يقول : يا جيلاني، وهذا يقول : يا شاذلي، وهذا يقول : يا رفاعي، وهذا يدعو العيدروس، وهذا يدعو السيدة زينب، وذلك يدعو ابن علوان، والله يقول : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ الأعراف : 194 ] .
وبعض عُبَّاد القبور يطوفون بها، ويستلمون أركانها، ويتمسَّحون بها، ويقبِّلون أعتابها، ويُعفِّرون وجوههم في تربتها، ويسجدون لها إذا رأوها، ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم، من شفاء مريض، أو حصول ولد، أو تيسير حاجة، وربما نادى صاحب القبر : يا سيدي! جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني، والله عز جل يقول : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [ الأحقاف : 5 ] . وقال النبي : "من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار" [ رواه البخاري ] .
وبعضهم يحلقون رءوسهم عند القبور، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل : "مناسك حج المشاهد" ويقصدون بالمشاهد القبورَ وأضرحةَ الأولياء، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون . والله عز وجل يقول : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [ يونس : 107 ] .
ولا تجوز الصلاة في المسجد إذا كان فيه أو في ساحته أو قبلته قبر؛ فقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، السؤال التالي : ما حكم الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر، أو بساحته، أو في قبلته؟
الجواب : إذا كان في المسجد قبر فالصلاة فيه غير صحيحة سواء كان خلف المصلين أو أمامهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم؛ لقول النبي : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" [ متفق عليه ]، ولقوله : "ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" [ رواه مسلم ] . ولأن الصلاة عند القبر من وسائل الشرك والغلو في أهل القبور، فوجب منع ذلك عملاً بالحديثين المذكورين وما جاء في معناهما وسدًّا لذريعة الشرك .
ومن مظاهر الشرك : الذبح لغير الله
والله يقول : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ الكوثر : 2 ] : أي انحر لله وعلى اسم الله، وقال النبي : "لعن الله من ذبح لغير الله" [ رواه مسلم ] .
وقد يجتمع في الذبيحة محرمان وهما : الذبح لغير الله، والذبح على غير اسم الله، وكلاهما مانع للأكل منها. ومن ذبائح الجاهلية الشائعة في عصرنا ( ذبائح الجن ) وهي أنهم كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوها أو حفروا بئراً ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفاً من أذى الجن [ تيسير العزيز الحميد ] .
وكذلك من الشرك : النذر لغير الله
كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور .
ومن أنواع الشرك المنتشرة : السحر والكهانة والعرافة :
أما السحر فإنه كفر ومن الكبائر السبع الموبقات، وهو يضر ولا ينفع، قال الله تعالى عن تعلُّمه : [ البقرة : 102 ] . وقال : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ البقرة : 102] . والذي يتعاطى السحر كافر عند كثير من العلماء، قال الله تعالى : وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [ طه : 69 ] .
ومن الناس من يرتكب محرماً بلجوئه إلى الساحر لفك السحر، والواجب اللجوء إلى الله والاستشفاء بكلامه كالمعوذات وغيرها .
أما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا معرفة الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، وكثير من هؤلاء يستغفل السذج لأخذ أموالهم، ويستعملون وسائل كثيرة من التخطيط في الرمل أو ضرب الودع أو قراءة الكف والفنجان أو كرة الزجاج والمرايا وغير ذلك، وإذا صدقوا مرة كذبوا تسعاً وتسعين مرة، ولكن المغفلين لا يتذكرون إلا المرة التي صدق فيها هؤلاء الأفَّاكون؛ فيذهبون إليهم لمعرفة المستقبل والسعادة والشقاوة في زواج أو تجارة، والبحث عن المفقودات ونحو ذلك .
وحكم الذي يذهب إليهم إن كان مصدقاً بما يقولون فهو كافر، والدليل قوله : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد" [ رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 5939 ] . أما إن كان الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب ولكنه يذهب للتجربة ونحوها، فإنه لا يكفر ولكن لا تُقبل له صلاة أربعين يوماً، والدليل قوله : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" [ رواه مسلم ] . هذا مع وجوب الصلاة والتوبة عليه .
ومن الشرك الأصغر اعتقاد النفع في أشياء لم يجعلها الخالق عز وجل كذلك ، وقد يتحول إلى أكبر إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله
كما يعتقد بعضهم في التمائم والعزائم الشركية وأنواع من الخرز أو الودع أو الحلق المعدنية بناءً على إشارة الكاهن أو الساحر أو اعتقاد متوارث، فيعلقونها في رقابهم أو على أولادهم لدفع العين بزعمهم، أو يربطونها على أجسادهم، أو يعلقونها في سياراتهم وبيوتهم، أو يلبسون خواتم بأنواع من الفصوص يعتقدون فيها أموراً معينة من رفع البلاء أو دفعه .
وتعليق كل ما تقدم أو ربطه حرام؛ لقوله : "من علَّق تميمة فقد أشرك " [ رواه أحمد وهو في السلسلة الصحيحة رقم 492 ] . وفاعل ذلك إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر من دون الله فهو مشرك شركاً أكبر، وإن اعتقد أنها سبب للنفع أو الضرر، والله لم يجعلها سبباً، فهو مشرك شركاً أصغر، وهذا يدخل في شرك الأسباب .
الحلف بغير الله تعالى
الله سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته، وأما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله، ومما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بغير الله، والحلف نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله . عن ابن عمر مرفوعاً : "من حلف بغير الله فقد أشرك" [ رواه أحمد وهو في صحيح الجامع 6204] . وقال النبي : "من حلف بالأمانة فليس منا"[ رواه أبو داود، وهو في السلسلة الصحيحة رقم 94] : فلا يجوز الحلف بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالشرف ولا بالعون ولا ببركة فلان ولا بحياة فلان ولا بجاه النبي ولا بجاه الولي ولا بالآباء والأمهات ولا برأس الأولاد؛ كل ذلك حرام، ومن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله، كما جاء في الحديث الصحيح : "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله" [ رواه البخاري ] .
وعلى منوال هذا الباب أيضاً عدد من الألفاظ الشركية والمحرمة التي يتفوَّه بها بعض المسلمين : ومن أمثلتها: أعوذ بالله وبك – أنا متوكل على الله وعليك – هذا من الله ومنك – ما لي إلا الله وأنت – الله لي في السموات وأنت لي في الأرض – لولا الله وفلان . والصواب الإتيان بـ "ثم" في ذلك فيقول : أنا بالله ثم بك، وكذلك في سائر الألفاظ). وكذلك : أنا بريء من الإسلام – يا خيبة الدهر، (وكل عبارة فيها سب الدهر مثل : هذا زمان سوء، وهذه ساعة نحس، والزمن غدار، ونحو ذلك، وذلك لأن سبَّ الدهر يرجع على الله الذي خلق الدهر) .
الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس:
ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات، فإن اعتقد أن ما فيها من أثر النجوم والأفلاك فهو مشرك، وإن قرأها للتسلية فهو عاصٍ آثم؛ لأنه لا يجوز التسلي بقراءة الشرك، بالإضافة لما قد يلقي الشيطان في نفسه من الاعتقاد بها فتكون وسيلة للشرك .
ومن الشرك أو الكفر ترك الصلاة:
ومما بلي به كثير من الناس في هذا الزمان وربما يؤدي بهم إلى الشرك والعياذ بالله : هو ترك الصلاة أو التهاون بها، فقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن حكم من يترك الصلاة بالكلية أو يتهاون بها؟ فأجاب سماحته : "أما تركها بالكلية ولو في بعض الأوقات فكفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، سواء كان التارك رجلاً أو امرأة؛ لقول النبي : "بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة " [ رواه مسلم ] وقوله : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" [ أخرجه أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح ] .
يقول الشيخ ابن عثيمين : وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر فإنه يترتب عليه أحكام المرتدين ومنها :
1- لا يصح أن يُزوَّج، فإن عُقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل .
2- إذا ترك الصلاة بعد أن عُقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة .
3- إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لأنها حرام .
4- لا يدخل مكة .
5- لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث .
6- إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، بل يدفن في الصحراء بثيابه .
7- يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف، ولا يدخل الجنة، ولا يحل لأهله أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كافر .
أما التهاون في الصلاة فهو من المنكرات العظيمة ومن صفات المنافقين، قال تعالى : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [ النساء : 142 ]. وعلى الرجال خاصة أن يحافظوا عليها في الجماعة مع إخوانهم في بيوت الله وهي المساجد لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال : "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم". و هذا يدل على أن الصلاة في الجماعة في حق الرجال من أهم الواجبات، وأن المتخلف عنها يستحق العقوبة الرادعة.
هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع الهام، وننصح بالرجوع إلى الكتب التالية للاستزادة:
كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، للشيخ محمد بن سليمان التميمي .
كتاب التوحيد، للشيخ صالح الفوزان .
كتاب محرمات استهان بها الناس يجب الحذر منها، للشيخ محمد صالح المنجد .