بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان كلمة شاملة لكل ما يحبه الله ويرضاه، فكما أن الإيمان يشمل العقيدة والتوحيد كذلك هو يشمل الأخلاق والسلوك، وقد وجد مفهوم خاطىء عند كثير من الناس في هذه الأيام حيث يعتقدون بأن هناك انفصاماً نكداً بين الأخلاق والعقيدة، فالعقيدة شيء والأخلاق شيء آخر.
ولإيضاح هذه القضية نقول إن الآيات والأحاديث النبوية طافحة بذكر الارتباط الوثيق بين العقيدة والأخلاق، ولنأخذ على ذلك أمثلة:
قوله تعالى: ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين))، وقوله ((وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر))، وقوله ((فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون))، وقوله ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)).
ولقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطاً قوياً، فقد ورد في الحديث الصحيح (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وورد عند الحاكم وهو حديث صحيح (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً).
وجعل معاملة الجار وعدم أذيته من الإيمان فقال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه) وحديث: (ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وحج واعتمر، وقال: إني مسلم، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، وورد في الحديث: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
وقد رتب شرعنا المطهر العقوبات الربانية على معاملة الآخرين معاملة سيئة، فقال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع، فقال: (لا، المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم.
من هذه النصوص وهي جزء من نصوص كثيرة جداً يتبين مدى اهتمام الإسلام بالأخلاق، وحثه على التحلي بالصفات الحميدة، والأخلاق السامية، وهذا يدل على أن الأخلاق هي من صميم الدين والإيمان.
ولعل سائلاً يسأل: كان في الجاهلية أخلاق عظيمة مع كون أهلها كفاراً فهذا دليل على عدم ارتباط الأخلاق بالعقيدة؟
فنقول بأن العرب كانت تتحلى بتلك الصفات العظيمة كالشجاعة والنجدة، والكرم والوفاء بالعهد وغيرها.. ولكن كان ذلك لأجل مصالحهم المادية والفردية حتى لا يوصموا بالعار، أو بالصفات الذميمة منها، وهكذا نقول أيضاً في جاهلية القرن العشرين في الغرب وغيره. المعاملة الطيبة عندهم مرهونة بالمنفعة والمصلحة الشخصية، لذلك تجد نظريات كبارهم تقول: بأن الغاية تبرر الوسيلة، ويقولون: أن السعادة هي في إشباع الذات، والدوافع العاجلة؛ لأن خيرها مؤدي إلى الشعور بالحرمان بالكلية، ويقولون: إن الإنسان قد اختراع المبادئ الأخلاقية ليتخذها وسيلة يحقق بها منفعته الشخصية، وقالوا: إن المثل الأخلاقية كلها راجعة إلى نتائج الظروف الواقعية للإنسان فهي أخلاق ليست ثابتة.
هذه نظرياتهم إخواني في الله، فهل بعد هذا نأخذ منهم أخلاقنا ومبادئنا، وهل نجعلهم قدوتنا ومثلنا الأعلى؟!! لا والله إن المؤمن الحق هو الذي لا يصدق أولئك المزيفون أخلاقياً، بل يتجه نحو السيرة العطرة الزكية، سيرة سيد البشرية محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - فيتلقى عنها عقيدته ودينه وسلوكه وأخلاقه.
وهناك أمر خطير جداً، ألا وهو أن مشابهة الكفار في أخلاقهم وسلوكهم تؤدي إلى مشابهتهم في عقيدتهم ومنهجهم، وهذا ما نراه واقعاً!
فكم من إنسان انخدع بهم في سلوكهم فإذا هو يتشرب من دينهم الباطل فيتحول إلى نصراني أو ملحد أو مرتد عن دينه، وهذا مصداق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وحديث (المرء مع من أحب)، (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
وفق الله الجميع لمرضاته، والسير على منهجه ودينه.